توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عظمة لبنان

  مصر اليوم -

عظمة لبنان

بقلم : عبد الناصر سلامة

 تكمن عظمة لبنان فى استيعابها دروس الماضى، دروس الحرب الأهلية، أكثر من 15 عاماً من الخراب والدمار والقتل وسفك الدماء تحت عناوين الطائفية تارة، والعمالة تارة أخرى، استطاعت فيما بعد تلك السنوات تجاوز الكثير من المحن والعديد من الفتن على كل الأصعدة بعقل واعٍ، والتى كان آخرها أزمة رئيس الوزراء، الشيخ سعد الحريرى، عقب احتجازه فى المملكة العربية السعودية، فى عملية معقدة وغير مسبوقة، إلا أن التعامل الداخلى معها كان أيضاً غير مسبوق، من كل الطوائف والتيارات السياسية دون استثناء، جميعهم كان على مستوى المسؤولية، بدءاً من التيار الوطنى الحر، ممثلاً فى رئيس الدولة، ميشال عون، مروراً بتيار المستقبل الذى ينتمى إليه «الحريرى»، وانتهاءً بحزب الله، بقيادة الشيخ حسن نصرالله.

يبدو أن هناك إصراراً خارجياً، ومن بعض قوى الداخل، على هدم هذه المنظومة العقلانية التى لا تروق للبعض، محاولات العبث بلبنان وأمن لبنان لا تتوقف طوال الوقت، التوتر خلال الأيام القليلة الماضية وصل إلى مرحلة الغليان، تعبير خارج عن اللياقة والأعراف السياسية أطلقه وزير الخارجية، جبران باسيل، بحق رئيس مجلس النواب، نبيه برى، قد يكون مقصوداً لإثارة أزمة ما، وقد يكون غير مقصود، وقد لا يتوقع الوزير خروجه إلى العلن، ذلك أنه كان فى مكان مغلق، إلا أن الشرارة قد خرجت إلى الشارع بفعل تسريب من «فاعل خير»!! أراد بلبنان شراً.

المشكلة الإضافية هى أن وزير الخارجية هو فى الوقت نفسه صهر رئيس الدولة، هناك عداء قديم بين رئيس الدولة ورئيس مجلس النواب منذ الحرب الأهلية، العداء كان قد اختفى عن الساحة على الأقل خلال السنوات الماضية، بالتأكيد استعادته الذاكرة بمجرد خروج هذا التسريب، الذى دعا أنصار «برى» إلى التظاهر فى محيط مكاتب التيار الوطنى الحر، ليس ذلك فقط، أشعلوا الإطارات وقطعوا الطرقات، ليس ذلك فقط أيضاً، انتشرت قوات الجيش فى كل مكان، أصبحت لبنان، كل لبنان، على صفيح ساخن.

اعتذار الوزير اللبنانى يبدو أنه لم يكن كافياً للأطراف المضارة، ممثلة فى حركة أمل وحزب الله بصفة خاصة، التصريح تجاوز الخطوط الحمراء على حد التعبيرات التى أطلقها هؤلاء وأولئك، بما يشير إلى أن لبنان تسير على حد السيف، لا مجال فيها للتجاوزات، خصوصاً فى ظل ذلك الاستهداف الواضح للاستقرار هناك، ردود الأفعال الشفهية والمكتوبة لا تقل أبداً فى حدتها عن ردود المتظاهرين على الأرض، حملت الكثير من التشنج، استُخدمت فيها تعبيرات الفتنة والطائفية والمذهبية واللا مسؤولية، استُخدمت فيها السباب والشتائم والتهديد والوعيد، ربما كرد فعل على الحدث نفسه، وربما لضمان عدم تكراره.

بالتأكيد سوف تمر هذه الأزمة كغيرها من الأزمات السابقة، إلا أنها سوف تترك غصة فى الحلق، قد يكون الحساب بصددها مؤجلا إلى حين، جميعها جروح تُفتح وقت اللزوم، إلا أن المطبات السابقة، وما أكثرها، أثبتت أن اللبنانيين يختلفون عن محيطهم العربى كثيراً، نتيجة عوامل عديدة، أبرزها ما عانوه فى الماضى من ويلات الحروب، وأهمها أيضاً أن الشعب اللبنانى أكثر فهماً وإدراكاً لطبيعة ما يدور حوله بحكم ثقافته ومستوى تعليمه وانفتاحه على المحيط الدولى ربما أكثر من غيره، على الرغم من أن بعض أمراء الحرب لا يكترثون كثيراً بكل المعطيات السابقة.

الغريب هو أننا لم نعد نسمع عن وجود الرجل الرشيد بالمنطقة، أو الدولة الرشيدة، التى تحمل على عاتقها التدخل السريع بين الفرقاء اللبنانيين فى محاولة لإصلاح ذات البين، المنطقة فى مجملها أصبحت على صفيح ساخن، لا وقت فيها ولا مجال لجهد من هذا النوع، حتى جامعة الدول العربية اختفت كما هو واضح من الساحة العربية، أصبحت أسيرة للمساهمات المالية السنوية، بمعنى أدق أسيرة لسياسات الدول الأكثر سطوة، التى قد لا يروق لها القيام بمثل هذا الدور، ربما نكتشف ذات يوم أن هناك مَن كان يُذكى مثل هذه الأزمات، هكذا عانت الحياة السياسية فى لبنان على امتداد تاريخها الحديث.

اللبنانيون يثقون فى جهود رئيس الوزراء، سعد الحريرى، فى تجاوز هذه الأزمة تحديداً، الرجل تحدث عن مبادرة فى هذا الشأن، دعا إلى تكثيف الجهود باتجاه تجاوز الحالة الاقتصادية المتعثرة التى تمر بها لبنان، بدلاً من تشتيت الجهود فيما لا يفيد، ومنوهاً باعتذار الوزير، هو يعى حجم المخططات الخارجية التى تُحاك ببلاده، كان آخرها معه شخصياً، إلا أنه كان على مستوى المسؤولية، ضرب مثالاً رائعاً فى الوطنية، ولم لا؟، فهو ابن الراحل رفيق الحريرى، الذى كان رمانة ميزان لبنان، منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 حتى استشهاده عام 2005.

على أى حال، مازلنا نأمل فى جهود خارجية فى هذا الصدد، يتبناها الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أحمد أبوالغيط، أعتقد أن الرجل ليس فى حاجة إلى تفويض من أحد، أو اجتماع وزارى من أى نوع لإصدار بيان يؤكد ذلك، هو على مسافة واحدة من كل الأطراف، يتمتع هناك بعلاقات جيدة، مازلنا نأمل أيضاً فى جهود عربية، حتى لو لم تكن على المستوى الرسمى، ما أكثر النخب العربية السياسية والثقافية التى يمكنها ذلك، الانفتاح اللبنانى على النخب أكثر منه على الأنظمة نتيجة عوامل كثيرة، هى أحد أسرار عظمة لبنان، لذا لن يفلح أحد فى خلط الأوراق هناك، كما لن تفلح أى جهة فى العبث بالاستقرار، الذى سدد اللبنانيون من أجله فاتورة باهظة من الدم.

نفلاً عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عظمة لبنان عظمة لبنان



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر

GMT 06:58 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

علاج محتمل للسكري لا يعتمد على "الإنسولين" تعرف عليه

GMT 14:10 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أسوان يخطط لعقد 9 صفقات قبل غلق باب القيد لتدعيم صفوفه

GMT 21:53 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

جهاز المنتخب الوطني يحضر مباراة الأهلي والإنتاج الحربي

GMT 17:44 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تونس تتصدر أجانب الدوري المصري بـ16 لاعبًا في الأندية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon