بقلم ـ د. حسن مدن
أمور عدة تستدل من البيان الذي أصدره تنظيم «الإخوان المسلمين» في سوريا بتأييد العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين.
أحد هذه الأمور ما سبق الحديث عنه من أولوية البعد العقائدي - الإيديولوجي لدى هذا التنظيم وسواه من التنظيمات الإسلامية النظيرة على الولاء الوطني، فحين تصبح هذه التنظيمات أمام أن تختار الانحياز إلى وحدة وسيادة أوطانها أو تدعم قوة إقليمية تحمل الهوى السياسي والمذهبي نفسه، فإنها تنحاز للثاني لا للأول، وليس مهماً عندها أن هذا الانحياز هو على حساب ولائها للوطن، الذي يفترض ألا يعلوه ولاء. والأمثلة على هذا كثيرة، ولا تنحصر فقط في موقف «إخوان» سوريا من التدخل العسكري في أراضي بلادهم.
لكن في الحالة التي نحن بصددها علينا ملاحظة أن الجيش التركي لم يتدخل في عمليته الراهنة في عفرين ضد قوات النظام السوري الذي يحاربه «الإخوان المسلمون» في سوريا منذ سبع سنوات، رافعين شعار إسقاطه، فلو كان الأمر كذلك، لربما استطعنا أن نفهم موقفهم، ولا نقول نبرره، لأنه مهما كانت درجة خصومة أي معارضة مع نظام الحكم في بلدها فإن الاستعانة بالخارج، أياً كان هذا الخارج، شكل من أشكال التفريط في سيادة الوطن، وكل التجارب تشير إلى أن ما من «خارج» قدّم نجدة للمعارضة في أي بلد، إلا ابتغاء مصالحه هو، ومن أجل ذلك يريد لهذه المعارضة أن تكون مطية له لبلوغ مراميه.
رغم ذلك، أي رغم كون العملية ليست موجهة ضد النظام السوري، إنما ضد معارضيه من المسلحين الكرد، الذين يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي، المؤيد لحزب العمال الكردستاني، قوامهم الأساس، ممن يفترض أن يكون بينهم وبين «الإخوان» مشترك مهم، هو معارضة النظام، فإن الأخيرين غلبوا انحيازهم لرجب طيب أردوغان، بتأييدهم عمليته في عفرين، وما قد يليها من مناطق سورية، كما يجاهر أردوغان الذي يهدد بوصول قواته إلى الحدود العراقية.
في بيان التأييد أشارت الجماعة إلى أنها ستدعم وتساند الجيش التركي «ضدّ التنظيمات الإرهابية ذات المشاريع الانفصالية في الشمال السوري»، داعية «الثوار» للوقوف إلى جانب إخوانهم في «الجيش الوطني السوري» لمواجهة هذه الحركات الانفصالية، كما أعلنت تأييدها «حق الجمهورية التركية باتخاذ الخطوات اللازمة للدفاع عن أمنها القومي».
لعل رهان الجماعة، ومجمل «الجيش الوطني السوري» الذي يضمّ 30 فصيلاً مسلحاً معارضاً أغلبيتهم من «الجيش الحر» الذي يحظى بدعم أنقرة، هو أن تسمح لهم هزيمة قوات الحماية الكردية على يد الأتراك، بأن يبسطوا سيطرتهم على الأراضي التي سيُخرج منها المسلحون الكرد عنوة، لتحسين «حصتهم» في أي تسوية مقبلة، تمكنهم هم، والراعي التركي، من أن يكونوا طرفاً مقرراً في مستقبل سوريا، وهو مستقبل تتنازع عليه الضواري من كل حدب وصوب.
نقلا عن الخليج الاماراتيه