توقيت القاهرة المحلي 16:55:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

بقلم : داليا شمس

 الضربة الأخيرة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ضد النظام السوري ذكرتني بالحرب على العراق كما عشناها في القاهرة، مع الفارق أن وقتها كانت ردة الفعل أقوى لاختلاف بعض الظروف ولاعتيادنا حاليا الغارات والهجمات والهوان، فلم يعد عامل الصدمة بالإثارة والشدة نفسهما.

استرجعت فجأة ما كتبت حينها حول تحولات الأصدقاء وبعض المعارف، وكيف انعكس تفاعلهم مع الأزمة على شخصياتهم ورؤيتهم لكثير من الأمور. مظاهرات وتجمعات وفعاليات مختلفة تم تنظيمها واشتركت في بعضها، وكنت أرصد رغما عني التغيرات التي طرأت على من حولي، خاصة هؤلاء الذين كانوا في مراحل مفصلية من حياتهم أو الذين كانوا يبحثون عن هدف ومعني أو ببساطة عن ذواتهم، في خضم الأحداث. كان هناك من كتب قصيدة رددها الناس، ومن تداوي جراحها بعد علاقة حب فاشلة دفعتها لمراجعة حساباتها، ومن عاش هزيمة 67 ولا يستوعب فكرة الحرب على الهواء مباشرة فأصابته الكوابيس، ومن لم يعرف قط مثل هذه الصراعات المسلحة لأنه من جيل اتفاقات السلام، إلى ما غير ذلك، فهناك دائما ذاكرة أخرى غير رسمية للحروب تتكون وتترسخ لدى الأفراد، بعيدا عن الدوائر الرسمية التي تتعمد أحيانا طمس بعض عناصر الحكاية لتقدم الصورة التي تريد أو التي تظن أنها مناسبة.

وهو ما رأيناه مليا في الحربين العالميتين، عندما يكتفي التاريخ الرسمي للدول بالحديث عن المقاومة وبطولاتها، دون التعرض لوجود خونة ومتعاونين مع الخصم، وما قد ينطبق أيضا على موقفنا من القضية الفلسطينية وعلاقتنا ببدو سيناء. دوما هناك بعض المسكوت عنه، وبعض ما نفضل إغفاله وبعض ما لا يتوقف عنده المؤرخون. وغالبا هو ما أحب أن أتناوله بالملاحظة والبحث، جانب ثقافة وأنثروبولوجيا الحروب التي إذا جاء الاهتمام به فيأتي بعد سنوات وسنوات من محاولات تهدف إلى تحديد من المسؤول عن هذا وذاك وعلى من يجب أن يقع اللوم والعبء الأكبر، أو تهدف إلى الوقوف على تفاصيل العمليات العسكرية وأسرارها، دون الاهتمام بعقلية المقاتل مثلا أو ما الذي كان يدور في رأسه أثناء المعركة.

بمرور الوقت وشيء من الموضوعية، قد نكتشف أن كل الصراع كان عبثيا ونقول إننا ضيعنا الكثير في لامعنى وغرقنا في كواليس المؤامرات السياسية والدبلوماسية، لكن أثر الحرب في النفوس ومسارات البشر لا يمكن الرجوع فيه، فقد سبق السيف العذل. لأن الحرب التي تضعنا بين الحياة والموت هي لحظة حقيقة واختبار، تظهر خلالهما الطبيعة الإنسانية ومعادن الناس، بكل وضوح، دون مواربة، حيث لا ينفع الندم ولا الكذب. هي مغامرة خطرة ندخلها ونخرج كما ولدتنا أمهاتنا. يجسدها رسام مثل بيكاسو في جدارية "الجورنيكا" أو يصورها مخرج مثل فرانسيس كوبولا في فيلم "القيامة الآن" أو تجعل مصممة أزياء مثل كوكو شانيل تغير تماما من مظهر المرأة عندما تلبسها ثوب أسود بسيط أو جاكيت بدلة رجالي، وتبدو بشعر قصير كالغلامة بعدما خرجت للعمل لتحل مكان الرجال المشغولون بالمعركة على الجبهة... كل ذلك تجليات لتغير مجتمعي حدث بفعل الحرب التي حدثت بفعل فاعل تبدلت عقليته وصار القتل بالنسبة له بدافع قومي أو وطني مبرر، بل وواجب. الحرب هي زاوية للرؤية، منظار يسمح لنا أن نرى من خلاله تطور المجتمع وما اعتراه من تغيرات وانقسامات وتطلعات وأحلام كبيرة كانت أم صغيرة.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مغامرة الحرب مغامرة الحرب



GMT 03:29 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كلمة بايدن متنزلش الأرض أبدًا!

GMT 03:27 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

الدنيا بخير

GMT 03:25 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

لا «نزوح» نحو ترامب ولكنهم قد يمتنعون

GMT 03:11 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

GMT 03:07 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كان إذا تكلم

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:54 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

ديكور فخم في منزل شذى حسون في برج العرب

GMT 13:39 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب كيرمان في شرق إيران

GMT 13:44 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

«الزراعة» تواصل خطتها لخفض استهلاك المبيدات الكيماوية

GMT 01:58 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

شالكه يسقط أمام كولن بالوقت القاتل في الدوري الألماني

GMT 06:57 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

التمدد أكثر فعالية من المشي لخفض ضغط الدم المرتفع

GMT 20:35 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل معجنات الثوم

GMT 07:25 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

توقعات العام 2021 لبرج الجدي وفق بطاقات التارو

GMT 17:55 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ريال مدريد يتوعّد إلتشي بمواصلة سلسلة الانتصارات في "الليغا"

GMT 10:16 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الرئة وأبرز أسباب الإصابة بالمرض

GMT 02:14 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ضياء السيد يؤكد أن هناك رواسب قديمة بين فضل وكهربا

GMT 13:05 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

ليكرز يرد بقوة على هيت ويتقدم 3-1 بنهائي السلة الأميركي

GMT 12:20 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

قرار بدفن موتى كورونا على الطريقة التقليدية في الأردن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon