توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الظهور المتأخر لحل الدولة الديمقراطية الواحدة

  مصر اليوم -

الظهور المتأخر لحل الدولة الديمقراطية الواحدة

د. عبد العليم محمد

 بمناسبة التداول المتأخر لفكرة حل الدولة الديمقراطية الواحدة فى فلسطين إسرائيل، عبر العديد من المقالات والإشارات المتناثرة، عقب قرار الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس وتقويض حل الدولتين ومقوماته، باعتبار أن هذا الحل هو الحل البديل، قد يكون من الملائم أن أذكر القارئ الكريم بأن كاتب هذه السطور طرح فكرة هذا الحل فى كتاب أصدره مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام فى عام 1999، فى هذا التاريخ كان قد مضى على تطبيق اتفاق أوسلو (1) أو أوسلو(2)، ما يقرب من الأعوام الستة، وكانت المرحلة الانتقالية المقدرة فى أوسلو بخمس سنوات على أن تبدأ مباحثات الوضع النهائى الخاص بالقدس واللاجئين والحدود والمياه والمستوطنات فى العام الثالث من هذه الفترة الانتقالية، وخلال هذه السنوات تعثر بحث هذه القضايا بسبب التعنت الإسرائيلى ورغبة إسرائيل فى أن تكون أوسلو فى حدود ما طبق منها حتى ذلك التاريخ، دون أن تتجاوز ذلك إلى بحث القضايا النهائية والوضع الدائم واستمر ذلك الوضع حتى مؤتمر كامب دافيد عام 2000 والذى كان مصيره الفشل أيضا.

شهدت فكرة الحل الديمقراطى فى فلسطين أى الدولة الديمقراطية الواحدة للفلسطينيين واليهود، سواء كان ذلك على مستوى الاعتراف بأن كلا منهما يمثل مجموعة قومية متميزة لها حقوق جماعية وفى هذه الحالة تصبح هذه الدولة ثنائية القومية، أو على أساس الاعتراف بحق المواطنة الفردى لكل من الفلسطينيين واليهود والمساواة فى الحقوق أى صوت واحد لكل مواطن وفى هذه الحالة تصبح الدولة الواحدة ديمقراطية علمانية، شهدت هذه الفكرة بمستوييها تداولات عديدة فى تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث طرحها الجانب الفلسطينى أمام لجنة اللورد بيل عام 1939، كما طرحها الحزب الشيوعى عام 1944 وكذلك عصبة التحرر الوطني، وقد استلهمت حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية فكرة الحل الديمقراطى فى فلسطين فى 10 أكتوبر عام 1968 فى مشروع السلام الذى طرحته حركة فتح وفى البيان الذى وجهته الحركة للأمم المتحدة، شددت الحركة على طبيعة النضال الفلسطينى وطابعه الإنسانى والحل الديمقراطي، وفى عدد مجلة الطليعة الصادر فى يونيو عام 1969 والتى كان يترأس تحريرها المرحوم الأستاذ لطفى الخولي، طرح المرحوم صلاح خلف مفهوم فتح للدولة الديمقراطية والمساواة بين اليهود والفلسطينيين فى هذه الدولة وتبنى الفكرة المجلس الوطنى الفلسطيني.

وفى سياق تفاقم أزمات أوسلو والمراوغة الإسرائيلية فى تطبيقاته ورفض إسرائيل بحث القضايا النهائية وزيادة وتيرة الاستيطان فى الضفة الغربية تشكلت لجنة لبحث البدائل الفلسطينية أمام التعنت الإسرائيلي، وكان من بين هذه البدائل فكرة أو مقترح الحل الديمقراطى فى فلسطين أى الدولة الديمقراطية الواحدة.

الفكرة ليست جديدة وتعتبر جزءا من ميراث الحركة الوطنية الفلسطينية ولكنها فى الوقت الراهن وبعد ظهورها المتأخر مجددا، تستوجب التدقيق وأن نأخذ فى الاعتبار الظروف المحيطة الراهنة ذلك أن طرح الفكرة فى هذا التوقيت قد يبدو كإعلان معمم باليأس من حل الدولتين وأن إسرائيل تكون بذلك قد حققت ما تريد أى حمل الفلسطينيين والعرب على التخلى عن هذا الحل بعد أن تآكلت كل مقوماته من خلال الاستيطان والتهويد والدعم الأمريكى للتصور الإسرائيلى للسلام، وإذا كان وصول العرب والفلسطينيين إلى اليأس من حل الدولتين قد استغرق كل هذه العقود، فالخشية أن يستغرق حل الدولة الواحدة بضعة عقود أخرى تكون إسرائيل قد أنجزت تصورها للسلام وأنهت مهمتها فى الإجهاز على القضية الفلسطينية.

من ناحية أخرى، فإن ثمة العديد من العوامل المشتركة بين الحل الديمقراطى وحل الدولتين، فكلاهما يحظى بالرفض الإسرائيلى المطلق فى ظل سيطرة اليمين الدينى والقومى ورؤيته لتحقيق الحلم الصهيونى بدولة يهودية فى كل أراضى فلسطين التاريخية وتعبئة الرأى العام الإسرائيلى حول هذا الحلم.

وفى الحالتين أى حال الدولة الواحدة وحل الدولتين، فإن موازين القوى على الأرض لا تسمح بتحقيق أى منهما، فالحالة العربية العامة كما الحالة الفلسطينية قاصرة عن إحداث هزة فى الوضع الراهن تبرر انصياع إسرائيل لعملية السلام والانخراط فيها، فلا المقاومة نجحت فى زحزحة هذا الوضع ولا المفاوضات بمرجعيتها والقرارات الدولية التى تستند إليها نجحت فى فتح ثغرة ينفذ منها هذا الحل، وطالما بقيت الأمور على ما هى عليه فإن أية حلول تبقى فى حيز الإمكان النظرى والفكرى وتظل معلقة فى الفضاء ومعزولة عن الواقع.

ومع ذلك فإن حل الدولة الواحدة يتضمن إمكانات ومضامين تعيد للنضال الفلسطينى والعربى وجهه الإنسانى وينفى عداءه للسامية واليهود، المشكلة الأكبر فى تقديرى تكمن فى التخلى المبكر عن هذا الحل، ولو تمسكنا به منذ بداية طرحه من قبل حركة فتح وحتى الآن، لربما ما كنا فى الموقف الراهن، ذلك أنه كان بمقدورنا أن نكسب ثقة الرأى العام الدولى وأن يحظى خطابنا بالمصداقية وأن تمتاز أهدافنا بالثبات والوضوح والأهم من ذلك أن أساليبنا ورسائلنا فى الكفاح ضد الصهيونية كانت ستسلك طرقا وقنوات جديدة تتناسب مع الحل الديمقراطي.

المشكلة الأكبر فى هذا السياق تتمثل فى أن الفلسطينيين والعرب على حد سواء يبدو أنهم فى مرحلة «التجريب» أى تجريب الحلول واختبار إمكانية تطبيقها مع ما يعنيه ذلك من إهدار للوقت والإمكانات وكأن الزمن لمصلحتنا، وهو فى الحقيقة لغير صالحنا تماما، من ناحية أخرى فإن هذا «التجريب» أو «النزعة التجريبية» تظهر وبوضوح افتقادنا لرؤية واضحة واستراتيجية محددة إزاء الصراع العربى الإسرائيلى وإزاء الهدف الذى نحرص على تحقيقه، فهذا الانتقال بين الحلول والمقترحات قد يفقدنا ما تبقى من مصداقية خاصة أن الأساس الذى ترتب عليه الفشل يكمن فى عجزنا عن تغيير المعادلة الراهنة فى توازن القوى والتى هى شرط أى حل ناجح ومقبول أو يحفز الخصم على قبوله والتعامل معه.

حل الدولة الواحدة يبدو نظريا وقيميا وإنسانيا الأفضل ولكنه بحاجة إلى تغيير كبير إن فى العقليات والتفكير أو فى الواقع وأساليب النضال والتوجهات التى تهدف إلى تعرية إسرائيل أخلاقيا وكشف عنصريتها للرأى العام وهى المعركة التى تجنبناها طويلا، ولكنها المعركة الضرورية فى جميع الأحوال وكل الحلول.

 

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الظهور المتأخر لحل الدولة الديمقراطية الواحدة الظهور المتأخر لحل الدولة الديمقراطية الواحدة



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك

GMT 09:42 2020 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك 4 مخاطر للنوم بعد تناول الطعام مباشرة عليك معرفتها

GMT 21:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

بدرية طلبة على سرير المرض قبل مشاركتها في موسم الرياض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon