توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثقافة فى مواجهة التطرف

  مصر اليوم -

الثقافة فى مواجهة التطرف

بقلم - أحمد يوسف أحمد

 أشرت فى مقالة الأسبوع الماضى إلى مشاركتى فى المؤتمر الرابع لمواجهة التطرف الذى نظمته مكتبة الإسكندرية فى الأسبوع الماضى وكيف اخترت فى الجلسة الخاصة بالرؤى السياسية للتطرف أن أتحدث عن استراتيجية شاملة للمواجهة تخيرت منها أبعادها السياسية والدينية والثقافية وأرجأت الأخير إلى هذه المقالة، ولا شك فى الأهمية البالغة لدور الثقافة بمعناها الشامل فى هذه المواجهة لسبب بسيط وهو أن الثقافة السوية هى التى تقدم المقابل الموضوعى للمحتوى الشائه للحياة الذى يطرحه التطرف علينا ديناً ودنيا، فهى تقدم لنا من خلال أشكال مختلفة القيم الإيجابية فى حياتنا من فهم صحيح للدين ووطنية وتسامح واحترام للآخر وهكذا، وهى بذلك تخلق النفس السوية المحصنة ضد الرؤى المتطرفة وتعززها بمزيد من الإبداع الثقافي، والمهم فى هذا الإبداع ألا يكون نخبوياً فحسب وإنما أن يصل إلى المواطن العادي، واستشهدت فى هذا الصدد بأيام طه حسين. ذلك العمل الأدبى الرائع الذى أرخ لعديد من معارك التنوير المصرية لكن تأثيره اقتصر على من قرأه من النخبة المثقفة أو طلاب المدارس إلى أن قُدر له أن يخرج فى مسلسل مرئى رائع وصل تأثيره إلى بسطاء المصريين كافة، والأمر نفسه ينطبق على رائعة بهاء طاهر «خالتى صفية والدير» ومغزاها الرائع بالنسبة للوحدة الوطنية المصرية فضلاً عما يمكن تسميته بالأدب التليفزيونى كما فى العمل الموسوعى لأسامة أنور عكاشة «ليالى الحلمية» الذى قدم بانوراما للحياة المصرية على مدى عهود من شأنها تعميق روح الانتماء لكل من يشاهدها ناهيك بمواجهتها البارعة لظاهرة التطرف فى ثنايا العمل، فليست مسئولية الأعمال الثقافية إذن أن تطارد الأفكار المغلوطة الشريرة والتافهة أساسا وإنما أن تقدم صورة الحياة ومنظومة القيم السوية لكى تكون حائط الصد الذى تتكسر أمامه أعتى موجات التطرف.

ولقد أدرك عبد الناصر هذه الحقيقة بوعى تام فلم يكن مشروعه سياسياً اجتماعياً اقتصادياً فحسب وإنما كان له بعده الثقافى الواضح، وهكذا فإن انتصاره على مشروع «الإخوان المسلمين» لم يأت فحسب من سجنهم أو من إجراءات العدالة الاجتماعية التى أقدم عليها فور نجاح ثورته أو من معارك استخلاص الاستقلال الوطنى الناجحة التى خاضها أو من الجهود الخارقة من أجل تنمية حقيقية وإنما ساند هذه الأبعاد بعد ثقافى بارز يظهر أهمية الإرادة السياسية فى أن يكون لك مشروع ثقافى حقيقي، ومن يقرأ فى مذكرات ثروت عكاشة أعظم وزراء ثقافة مصر ملابسات تكليف عبد الناصر له بوزارة الثقافة وتحفظات عكاشة وشروطه كى يتولى المنصب وإطلاق عبد الناصر يده فى هذه المهمة النبيلة لابد وأن يدرك أن نجاح المشروع الثقافى الذى قاده هذان الرجلان كان حتمياً، ومن بين الجوانب المضيئة الكثيرة لهذا المشروع أتوقف عند مشروع تكوين فرقة باليه مصرية استُقدم لها خيرة المدربين السوڤيت إلى أن قدمت عرضها الأول وحققت نجاحاً هائلاً فإذا بالوزير العاشق للثقافة يسارع إلى مهاتفة عبد الناصر طالباً منه أن يحضر لرؤية «أولاده» فتكون المفاجأة أن يحضر بالفعل فى اليوم التالى مباشرة، وتظهر الصور مدى سعادته بما تم، وتكون المفاجأة الأكبر أن تصدر الأوامر بتقديم الفرقة عروضها فى أسوان حيث بناة السد العالى من المهندسين والعمال والفلاحين، ويُصاب أعضاء الفرقة بالذهول من نوعية جمهورهم الجديد لكنهم يقدمون عروضهم بالنجاح ذاته، وتقول ماجدة صالح الباليرينا الأولى فى الفرقة أن أكبر إطراء لها جاءها من نوبى عجوز تسلل إلى قاعة العرض بعد أن فرغت إلا منها ومنه وقال لها «ياسلام ياست! إيه الجمال ده؟» وهو أكبر دليل على خرافة أن الثقافة الرفيعة لا تلائم البسطاء وعلى أن المبدع صلاح جاهين لم يكن يهذى عندما كتب «تماثيل رخام عالترعة وأوبرا».

تدهورت الأمور بعد ذلك أيما تدهور، وغزت المجتمع المصرى تيارات متخلفة بدعوى الدين ووصل الأمر إلى القول بأن 96% من ميزانية الوزارة يلتهمه بند المرتبات والأجور، وتوقعت أن تقوم الدنيا ولا تقعد فلم تقم أصلاً، وفى جلسة «الثقافة والتقدم» التى افتُتِح بها المؤتمر تحسر الفنان أشرف زكى على ما آل إليه حال مسارح الإسكندرية وإن زف إلينا بشرى أن عملاً يجرى التخطيط له بالاشتراك مع مكتبة الإسكندرية لإعادة الحياة إلى مسارحها، وأُضيف أن السينما تحتاج بدورها نقلة نوعية لا فيما يتعلق بدور العرض فحسب وإنما أيضاً من منظور إنتاج الأفلام التى من شأنها تعزيز قيم الوطنية والتسامح والحرية والتنوير بدلاً من سيل الأفلام شديدة التفاهة وأحياناً البذاءة التى يصطدم المرء بإعلاناتها رغم أنفه فى فضائيات تليفزيونية عديدة بينما تاريخ مصر حافل بقصص أبطال ومعارك وحروب من شأن معالجتها سينمائياً على نحو إبداعى أن يهزم أى أفكار متخلفة متطرفة مهما كانت، فأين ذلك الفيلم الذى يليق بحرب أكتوبر أو بشهيد عظيم كعبد المنعم رياض أو إبراهيم الرفاعي، بل لقد ضربت مثلاً فى الحوار بقصة البطل المصرى العقيد رءوف محفوظ الذى كان قائد موقع شرم الشيخ إبان العدوان الثلاثى فى 1956، وعندما صدرت الأوامر بالانسحاب من سيناء استأذن قيادته فى أن يحارب لأخر طلقة فأذنت له ولم يسقط موقعه إلا بعد وقف إطلاق النار. أفلا يستحق هذا البطل ورجاله عملاً يخلد بطولاتهم ويعزز قيمة الوطنية التى يستخف بها المتطرفون خاصة وأنه وقائد أركان كتيبته مسيحيان مصريان ذابا فى حب مصر وكان آخر عمل لهما فى المعركة هو رفض تسليم صورة عبد الناصر الموجودة بالموقع للقائد الإسرائيلي. مازال أمام الثقافة إذن دور كبير تلعبه فى مواجهة التطرف كما فعلت من قبل، وتتحمل الدولة مسئولية خاصة فى هذا الصدد.


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة فى مواجهة التطرف الثقافة فى مواجهة التطرف



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon