توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

منظومة «اللكلكة»

  مصر اليوم -

منظومة «اللكلكة»

بقلم - أمينة خيري

قد نكون غير قادرين على إعادة هيكلة حياتنا التى ساءت وتدهورت وتكحولت (مزيج من الكحل الأسود البهيم الذى يعتم الرؤية مع قليل من الكحول الذى يتخمر فيذهب بالعقل). أو ربما نحن غير راغبين فى ذلك، بعد ما اعتدنا القبح، واستسغنا المسخ، ولم تعد «اللكلكة» أو «الطلسقة» أو الإجراءات «الهمايونية» أو التصرفات العشوائية أو العيش على هامش الحياة تضايقنا. كما رفعت الملايين شعارات حياتية تدعو إلى العيش اليوم بيومه و«العمل على قد فلوسهم» و«إياكش تولع» و«هى جت عليا؟!». والنتيجة هى أن تفاصيل حياتنا، الصغير منها والكبير، وإنجازات عملنا المهم منه والهامشى، وشكلنا العام على مستوى الدولة والفرد، فضيحة بكل معانى الكلمة. تسافر إلى الخارج، فيحدثك محبو مصر بأسى عما ضربها من ترهل وما أصاب ناسها من عدم اهتمام وقلة اعتناء و«لكلكة» فى كل مظاهر الحياة. وحرص كارهوها على سؤالك على سبيل الاستفزاز عن أسباب السكوت على قذارة الشوارع، وتدهور المعايير المهنية، واندثار القيم الأخلاقية، وانهيار بديهيات وأبجديات العمل الحقيقى. وبغض النظر عن محاولات الدفاع، أو حفظ ماء الوجه، أو رص قائمة من الحجج والأعاذير جنباً إلى جنب مع العوامل والمعايير التى أدت إلى المسخ الكامل الذى نعيشه، فإنك حتماً تصاب باكتئاب إضافى لما ضرب هذا الشعب من ترهل وعدم ممانعة لتحويل كل قيمة إلى فعل ماضٍ.

مضت أيام كان الصنايعى المصرى معروفاً بين الأمم بملكاته وقدراته فى التصنيع والتشطيب والتصليح بحرفية. وولت وأدبرت أيام كانت أطقم التمريض فى المستشفيات أقرب ما تكون إلى ملائكة الرحمة اللاتى كنا نسمع عنهن. وأحيلت إلى المتاحف بقايا المصنوعات والتقنيات المصرية التى كانت تعكس تركيبة بشرية عظيمة تجمع بين الشطارة والإنسانية مع الذكاء والمفهومية.

فهم ما جرى لنا يتمثل فى قصة تعيسة حكاها صديق مصرى مقيم فى الإمارات. «أسطى» عامل سيراميك مصرى تصادف وجوده هناك، فكلفه الصديق ببضع الأعمال فى مطبخه وحمامه، وكانت النتيحة كارثية؛ بلاطات معوجة، تقفيلات مشوهة، تشطيبات كارثية لا تشبه إلا مثيلاتها التى أصبحت واقعاً حياتياً قبيحاً فى مصر. ومع القبح العملى يأتى العوار الفكرى، الصديق المصرى اصطحب الـ«أسطى» من يده وقاده إلى عدد من شقق أصدقائه ممن أنجز أعمالها السيراميكية عمال هنود وباكستانيون وبنغاليون.. الجدران والأرضيات أقرب ما تكون إلى الحرير، التقفيل والتشطيب يكاد يضاهى الورق الأملس. فما كان من العامل إلا أن تحجج تارة بعدم استواء الجدار وهذا كذب، وأخرى بسوء نوعية المواد وهذا تدليس. وحين ضيَّق الصديق خناق الحجة والبرهان عليه، وبعد ملاوعات لم تخلُ بأغلظ الأيمانات بصلاته وصومه وحجه، قال الـ«أسطى» إن معايير التعامل مع السيراميك تختلف فى مصر عنها فى دبى، وهى جملة غير مفهومة أصلاً.

لكن يبقى ما هو مفهوم ألا وهو أننا غير قادرين أو غير راغبين أو غير مدركين، أن تفاصيل حياتنا اليومية من سيئ لأسوأ ومعايير مهنيتنا وإنجازنا تتدهور يوماً بعد يوم، وشماعات حججنا الواهية وتبريراتنا المائعة تزداد بلهاً وعتهاً بينما نتكلم. ولا أرى ضرراً أو وصمة أو عاراً فى أن تستعين مصر بأصحاب القدرات والمعارف ممن نجحوا فى بناء منظومات عمل مهنى يتبع معايير حازمة ويضمن نتائج جيدة ويعاقب المخطئ والمقصر والمهمل عقاباً عسيراً مع ضمان منظومة رقابة مستمرة وصيانة لا تتوقف لتناول سندوتش فول أو الحصول على تعسيلة أو «على قد فلوسهم». لكن كل الضرر والوصم والعار لنا فى حال كان هناك إصرار على المضى قدماً فى منظومة المسخ والقبح و«اللكلكة» التى تأكلنا.

نقلا عن الوطن القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منظومة «اللكلكة» منظومة «اللكلكة»



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك

GMT 09:42 2020 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك 4 مخاطر للنوم بعد تناول الطعام مباشرة عليك معرفتها

GMT 21:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

بدرية طلبة على سرير المرض قبل مشاركتها في موسم الرياض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon