توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أقباط مصر

  مصر اليوم -

أقباط مصر

بقلم - مصطفي الفقي

عدت فى خريف عام ١٩٨٣ من عملى فى الهند مستشارًا للسفارة المصرية هناك، وفوجئت بأن الدنيا قد تغيرت وأن الأحوال قد تبدلت، فكل سيارة خاصة تمضى على الطريق تبدو فى الغالب وكأنها مسجد صغير أو كنيسة متحركة، فالآيات القرآنية وعبارات الكتاب المقدس والصلبان والمسابح تطوّق السيارات بشكل ملحوظ لتأكيد هوية كل سيارة بأن صاحبها مسلم أو مسيحى.

فلو حدث أى أحتكاك مرورى بين سيارة وأخرى ينتمى صاحب كل منهما لديانة مختلفة لأصبحنا أمام مشروع حادث طائفى لا مبرر له، خصوصًا أننا كنا غير بعيدين عن أحداث الخانكة والزاوية الحمراء، وكان ذلك بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات بعامين تقريبًا، ولأننى معنى بالشأن القبطى فى مصر من الناحيتين الأكاديمية والعملية بعد حصولى على الدكتوراه من جامعة لندن بأطروحة تحت عنوان (الأقباط فى السياسة المصرية) لذلك وجدتنى مهتمًا بما يدور حولى فى تلك الفترة وشديد القلق من تداعيات ما يحدث واحتمالات تأثيره على السلام الاجتماعى المتماسك والوحدة الوطنية الراسخة.

لذلك ذهبت إلى أستاذى الدكتور بطرس بطرس غالى، وزير الدولة للشئون الخارجية حينذاك، وعرضت عليه مخاوفى وشرحت له المحاذير من هذه التفرقة لأن السيارات ليست دور عبادة وهى كلها سيارات لمصريين ينتمون لوطن واحد، وكان الدكتور بطرس قد كتب مقدمة كتاب مشترك بين ثلاثة من تلاميذه رغم تفاوت الأعمار وهم المستشار طارق البشرى والمستشار وليم سليمان قلادة وكاتب هذه السطور.

وكان ذلك عام ١٩٨١ وصدر الكتاب بعنوان (الشعب الواحد والوطن الواحد) وقد استمع لى الدكتور بطرس غالى فى لقائنا وناقش الأمر من أبعاده المختلفة ثم اقترح علىّ أن ألتقى بابن عمه الشهير الوزير الأسبق مريت بطرس غالى الذى كان عضوًا فى مجلس الشورى حينذاك، وبالفعل قمت بذلك واقترح علىّ الوزير مريت غالى أن نوجه خطابًا مشتركًا بتوقيعنا معًا نطالب فيه وزير الداخلية برفع الملصقات الدينية من نوافذ السيارات والاكتفاء بالتبرك برموز قليلة على اعتبار أن الدين لله وأن الوطن للجميع، خصوصًا أن قانون المرور يخول لوزير الداخلية ومعاونيه القيام بهذا الإجراء.

وكتبت فى نفس الأسبوع مقالًا فى صفحة الرأى بجريدة الأهرام بعنوان (ظواهر وفدت على مصر) مستنكرًا فى سطوره استخدام الدين فى التفرقة بين المصريين خروجًا على مبدأ المواطنة واستعادة لممارسات طائفية عفا عليها الزمن وقد كان، حتى إن الأزهر الشريف والكنيسة القبطية تجاوبا مع دعوتنا وأفتى كل منهما بأن رفع هذه الملصقات لا يمس الدين بل هو دعم لوحدة الأمة وتأكيد للسلم الاجتماعى والأمن الوطنى.

إننى أقول ذلك وأنا أحيى أشقاءنا الأقباط- الذين يبهروننى فى كل مراحل تاريخ مصر- بحرصهم على الوحدة الوطنية، وأتذكر بهذه المناسبة أننى كنت فى موسكو عام ٢٠١٥ ودُعيت لإلقاء محاضرة فى الأكاديمية الدبلوماسية هناك وكان ذلك بعد عام مرير أو أكثر من الاعتداءات على الكنائس المصرية بيد من لا يعرفون سماحة الإسلام ولا يدركون هوية الوطن الذى استوعب دائمًا كل الثقافات وهضم كافة الحضارات وحافظ على سماحة الديانات.

وأتذكر أيضًا كم كنت قريبًا من قداسة البابا الراحل شنودة الثالث، خصوصًا فى فترات الأزمات المفتعلة ذات الطابع الطائفى، حيث كنت موفدًا دائمًا من مؤسسة الرئاسة إلى المقر البابوى لمعالجة المشكلات الطارئة والسعى لحماية الوحدة الوطنية وتفعيل منطق المواطنة والعيش المشترك، وإذا كنا قد احتفلنا هذه الأيام بعيد الميلاد المجيد فإننا نتذكر روح الوحدة الوطنية فى ثورتى 1919 و2013 عندما كانت صلابة تلك الوحدة مصدر قوة حقيقية للشعب المصرى العريق.

وكم تكون سعادتى بالغة حين أقرأ مقالات رصينة لكتاب وكاتبات من أبناء الوطن من أمثال المؤرخ المستنير أحمد الجمال والكاتب الصحفى حمدى رزق وداعية الوحدة الوطنية فاطمة ناعوت والأسقف المثقف الأنبا إرميا وغيرهم من حراس الوحدة الوطنية وسدنة الكنانة أمام كافة التحديات وفى أصعب الظروف، ولقد ظلت الوحدة الوطنية هى المشروع الفكرى الذى أعمل تحت مظلته فى العقود الخمسة الأخيرة.

وكم تكون سعادة الوطن بالغة حين يشهد القاصى والدانى دخول الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى إلى مبنى الكاتدرائية ليحيى أبناءه وبناته من جموع الحاضرين والحاضرات الذين يشعرون لحظتها بدفء الروح الوطنية وصلابة الشعب المصرى الذى علّم الدنيا التسامح ونبذ الإرهاب مؤكدًا للجميع أن أم الدنيا محروسة دائمًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أقباط مصر أقباط مصر



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt