توقيت القاهرة المحلي 18:25:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آفة الـ "آي ـ فون"

  مصر اليوم -

آفة الـ آي ـ فون

حسن البطل

من هو؟ ثاني واحد، ثالث اثنين، رابع ثلاثة؟ إنه حامل جهاز يحكي جملتين مع جليسه، ثم يطبع عبارتي دردشة لشخص ثالث، أو يقلب صفحات جهازه باحثاً عن مواقع أخرى. عندما اخترعوا هذا "الراديو" كان الجليس يقول لجليسه: اسكت.. بدنا نسمع أخبار، ثم اخترعوا التلفاز الأسود ثم الملوّن، ثم قنوات تلفازية تصحو ولا تنام طيلة اليوم بنهاره وليله. الآن، هناك هذا "النقّال" الذي شبّ سريعاً راكضاً وهو في عمر الرضاعة، وبلغ مبلغ الرجولة في شرخ شبابه.. والأهم، أنه تسبّب في فجوة هائلة بين الأجيال. جيل الجد كان يحمل مفكّرة أسماء وأرقام، ويذهب إلى الهاتف الأرضي. جيل الأب يحمل هاتفاً نقالاً يحوي مفكّرة أسماء وأرقام، وربما عدسة تصوير سيئة، أو من دونها. أما جيل الشباب فهو يحمل جهاز آي ـ فون وما شاكله، أي "شبّيك ـ لبّيك.. العالم بين يديك.. وناظريك وسمعك، أيضاً".. لكن جيل الأولاد ينصرف إلى كل هذه المتع، وفوقها ألعاب تسلية متحركة مثل "ستيشن واحد.. واثنين.. وثلاثة.. واربعة". بدلاً من حقبة غابرة للراديو "واسكت بدنا نسمع الأخبار" نشروا على "الفيسبوك"، وهو من جملة مزايا النقال المتطور أبداً وبوثبات الكنغر، رسمة لطيفة: شيخ عربي بلباس عربي يقول لزواره: "اهلاً.. وسهلاً، نوّرتم" لكن عيون الزوّار مركّزة على أجهزة النقال الحديثة، وأصابعهم مشغولة بالنقر، أو باللمس على لوحة حسّاسة "شبّيك .. لبّيك".. اسكت يا حاج بدنا نشوف. بعد الهاتف الأرضي والراديو، قفزت تكنولوجيا التواصل والاتصالات إلى هذا "الفاكس" أو صندوق العجب في حينه وصار هذا الجهاز، ويقال إن المخابرات الأميركية اخترعته وكان سرياً في البداية، أكثر جدوى، أحياناً كثيرة، من البريد العادي، وأسرع بالطبع، لأن الضوء أسرع والكهرباء أسرع.. ويقال إن المخابرات الأميركية اخترعت أضراب "الآي ـ فون". بعد "الفاكس" هذا لم يعد الواحد يقعي أمام الهاتف الأرضي منتظراً مخابرة، قد لا يكون طرفها الثاني موجوداً، بل صار الناس يتمنطقون بجهاز الاتصال الفوري، أو يضعونه في جيوبهم .. وكما تطورت السينما من خرساء إلى ناطقة، ومن أسود ـ أبيض إلى ملونة، كذلك تطور الهاتف النقال من هاتف أرضي بلا أسلاك إلى جهاز تلفزيون متنقل إلى ثلاثي الأبعاد سوى أنك تستطيع بلمسة واحدة، دون حاجة إلى "حاكوم" يسمونه "ريموت ـ كونترول" للتنقل بين المحطات. وبعد كل وصلة طويلة على الآي ـ فون يشعر المستخدم بكآبة ما. إنه موضة صارت أكثر شيوعاً من موضة سراويل الجينز للرجال والنساء والأولاد، وأكثر انتشاراً حتى من دابّة أربع عجلات مطاط، أي السيارة. عادة، يسطو الولد الصغير على جهاز والده النقّال، ثم صار الوالد يتعلم من ولده الإبحار في عالم أجهزة النقال الحديثة، التي تحوي حاسوباً وقائمة أسماء وكاميرا سحرية متقدمة، وآلة تسجيل فيديو لأفلام كاملة، وكل ألعاب التسلية التي كانت على الحاسوب. لم تعد معارض السيارات الحديثة، عن موديلات العام الجديد تجذب متفرجين أو مشترين كثرا، ولم تعد الأفلام الجديدة تصطف طوابير أمام صالات العرض.. صارت الحمّى هي تهافت آلاف مؤلّفة على آخر صيحة في الآي ـ فون وأضرابها. أحد علماء إلكترونيات الاتصال لا يستبعد زمناً يقف فيه الإنسان أمام جهاز حديث جداً، ويطلب "نقله" فورياً إلى حيث يشاء، تماماً كما في أفلام الانتقال من كوكب إلى آخر، ومن مجموعة شمسية إلى أخرى، بل من مجرّة إلى مجرّة بعيدة. في المقهى ترى واحدا أو اثنين يتصفّحون جريدة، واثنين أو ثلاثة يقرؤون كتاباً، وثلاثة أو أربعة يتابعون محطة فضائية.. لكن ترى الجمّ من الحضور إما على انشغال بمفاتيح اللاب ـ توب، أو على انصراف إلى الانشغال بمفاتيح لوحة "آي ـ فون" أو أضرابه. كما في المقاهي كذلك في قطارات الركاب الأوروبية. قلّة تقرأ الصحف والغالبية تحمل في أيديها هذا "الآي ـ فون". سهولة الاتصال تأتي على ما كان سهولة التواصل الشفهي بالسماع بين متحدثين اثنين مع لغة عيون وجسد، أو نقاش بين جمهرة من الجالسين إلى طاولة. كان الله في عون والد لديه عدة أولاد يريدون اقتناء أحدث أجهزة الاتصال وأغلاها، بينما يحمل جهازاً نقّالاً بسيطاً للمخابرات الهاتفية. يقولون إن هذه "طفرة" وكل طفرة ستأتي عليها طفرة أخرى، كما ملّت الناس من الراديو ومن التلفاز، ومن الفاكس. "شبّيك ـ لبّيك.. العالم بين يديك" لكنه عالم حقيقي من جهة وافتراضي من جهة أخرى.. وآفة مثل بقية الآفات. كآبة بعد الإسراف بالآي ـ فون! نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آفة الـ آي ـ فون آفة الـ آي ـ فون



GMT 18:25 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

وسادة المقاطعة

GMT 18:24 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

حملة المقاطعة

GMT 18:23 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

خطأ فى الحسابات

GMT 18:21 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

هل جدلتم السَّعَف.. بالأمس؟

GMT 18:20 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

ذبح محمد صلاح!!

GMT 18:19 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

«دافوس» فى الرياض (١)

GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 08:41 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الخميس 22 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon