توقيت القاهرة المحلي 23:47:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"ميم"

  مصر اليوم -

ميم

حسن البطل

الـ "ميم" أوّل أبجدية الصوت والـ "ألف" أوّل أبجدية اللغة. وعلّمتني "ميم" شيئاً من بلاغة اللغة العربية: "قل لسهيل إن سهيلاً أقرب إليه من مريم". عندما حضر ملك الموت الشاعر مالك بن الريب (إن أخطأت باسمه فلي أجر واحد) أوصى صحبته! - أن يخطوا حدود قبره برماحهم. - أن يجعلوا قبره فسيحاً يسعه وسيفه ورمحه. - أن يديروا رأسه في قبره باتجاه النجم سهيل، حيث مضارب القبيلة، أو النجم الهادي لذلك الشاعر "المخضرم" في نجعاته وغزواته من بطن جزيرة العرب إلى برّ الشام. "سهيل" كان زميلي وكان أجمل مني، ومريم الأروادية أجمل (بحق الفتوة وبحق الحُسنى) من أمّي مريم زيدان، حفيدة ظاهر العمر الزيداني. أنا حسن بن مريم منذ ولدتني أمّي مريم إلى أن يأخذني رحم الأرض. أحمل اسماً هو صفة للشطارة. لكنني "تيّست" رغم نصائح أمّي مريم ورجائها الحار: "اترك العلوية وخذ الشلبية". كانت "سين" إسماعيلية ولم تكن "علوية".. ولم تكن "شلبية" مثل "ميم"، إحدى أجمل جميلات جامعة دمشق أواخر الستينيات. لم أتزوّج "سين" لأنها رفضت الزواج منّي، ولم أتزوّج "ميم" لأنّني رفضت الزواج منها. كانت "سين" تحبّ لغتي (أي أفكاري)، أما "ميم"؟ فقد جعلت الدم ينفر من وجهي خجلاً أو فخراً. اجتازت امتحان الصوت بسهولة. اجتازت امتحان الإلقاء السليم باللغة العربية، فهي طالبة "اللغة العربية وآدابها".. وجاء دور امتحان التعبير. قالت لي، قبل أن تُصبح نجمة برامج التلفزيون السوري: عندما أقف على شاطئ جزيرة أرواد أراك على شاطئ مدينة طرطوس؟ كنت أحبّ ذكاء "سين" التي تقرض الشعر. في المباراة بين الذكاء والجمال انحاز عقلي إلى الذكية وخان قلبي أجمل الجميلات. سأكتشف، متأخّراً، أن ذكاء القلب هو الأول والأولى، وأن قلب "ميم" كان الأذكى. - كيف ترينني من جزيرة أرواد إذا كنتُ على شاطئ طرطوس؟.. ونحن في الشام؟ - حركة يمناك مثل مجداف. تبدأ الحركة من جهة القلب ثم تتموّج، كما يرتطم موج البحر بالشاطئ. وفي اختبار التعبير لمذيعات البرامج التلفازية، وضعت مريم باطن كفّ يدها اليمنى على قلبها.. ثم قلّدت هذه الحركة التي تحبها، مثلما يطوي المركب موجات البحر. نفر الدم من وجهي. جاءت "ميم" الأولى على المتسابقات. كانت "ميم" تعرف أنني أحبّ "سين" وكانت "سين" تعرف أن "ميم" تحبّني.. وكانت أمّي مريم، عندما يبدأ برنامج "ميم" تلتفت إليّ بنظرة عتاب: "يمّا.." وأنا أتولّى إكمال اللازمة "خذ لك الشلبية واترك العلوية". الـ "ميم" أوّل أبجدية الصوت، والـ "سين" سرّ المعادلات الجبريّة، وللسان أن يُبحر في أبجدية الصوت، وللعقل أن يُبحر في أبجدية معادلات أخرى. وللقلب أن يضلّ عن الهوى في الهوى! كان يصعب أن نجلس معاً على انفراد في كافتيريا الجامعة. كان يصعب أن نسير على انفراد في حديقة الجامعة.. لا يتركني "الشباب المثقّفون" لشأني، ولا تتركها البنات لشأنها. هؤلاء يُصافحونني - أوّلاً - وينسونني.. وهؤلاء يُصافحنها - أوّلاً - وينسينها. تُحاصرها "رقصة" الذكور وتُحاصرني "رقصة" الإناث. لعلّ طنين ذباب الذكور وذباب الإناث أقلّ في حديقة "سكن الطالبات". مثل شلاّل ماء رقراق تدحرجت "ميم" إلى ردهة الاستقبال، أو "كرجت" درجات السلّم مثل شلاّل ماء، وبكلّ ما في "ذكاء القلب" صاحت: "قطعت حمّامي لأراك". يانعة مثل حبّة البندورة في أوج نضجها، أو أن هذا لون الحياء، أو أن المنشفة الخضراء التي تكلّل رأسها المبلّل جعلت رأسها مثل سرّة النبات الخضراء. عرق الحياة يسقي الثمرات رطوبة الأرض. - "قالت لي أمّي"! - أعرف ما تقوله لك أمّك. - ما أدراك بما تقول أمّي؟ - "قالت لي العصفورة" بماذا تقول لك أمّك! * * * "سهيل" الذي في السّماء يبقى نجماً ثاقباً في السّماء. وسهيل العاشق الذي على الأرض تاه في الأرض، والـ "ميم" يبقى أوّل أبجدية الصوت.. والشاطر حسن يبقى اسماً من الأسماء بلا صفة الشطارة و"مريم" أمّي صارت تشيح بوجهها عني كلّما داعبتها: "يمّا يا ولدي خُذ لك الشلبية". بعد ثلاثين عاماً اكتشفت أن حرف "الميم" قد يكون أوّل ثُغاء القلب. صورتها تبقى صورتها. ضحكتها تبقى ضحكتها.. لكن حركة اليد من القلب الى الافق مثل موجةٍ أخطأت شاطئاً وتبحث عبثاً عن شاطئ. 21/6/2001 نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميم ميم



GMT 19:12 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

الشعب حين يحب

GMT 19:10 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

الغضب والثقة في السرب

GMT 19:03 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

صيحة الضمير!

GMT 19:02 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

البابا شنودة بين الدين والشعر والسياسة

GMT 19:00 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

أمريكا تنفذ مخطط التهجير!

GMT 17:12 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

موافقة جاهلة (مستنيرة)!!

GMT 17:11 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

هل يؤيد طلاب أمريكا «حماس»؟

GMT 03:16 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

الوضوء الوطني

GMT 23:47 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

غانتس يتفوّق على نتنياهو
  مصر اليوم - غانتس يتفوّق على نتنياهو

GMT 10:26 2020 الخميس ,16 إبريل / نيسان

فساتين خطوبة باللون الأبيض لعروس الصيف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon