توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صورة على غلاف في ملف الغواصات!

  مصر اليوم -

صورة على غلاف في ملف الغواصات

بقلم : سليمان جودة

نظرة إلى غلاف مجلة «تايم» الأميركية، الذي ظهر في أعقاب وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، يمكن أن تكون مدخلاً من بين مداخل أخرى، في طريق فهم أبعاد أزمة الغواصات المتصاعدة هذه الأيام، بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا من جانب، وبين فرنسا على الجانب الآخر!
كانت صورة ماكرون تملأ الصفحة بكاملها على الغلاف، وإلى جوار الصورة كانت هناك عبارة تقول: الرجل القادم في أوروبا!
والسؤال وقتها كان على النحو التالي: قادم من بعد مَن؟! وكان الجواب يقول إن قدومه سوف يكون بعد أن تغادر أنجيلا ميركل كرسي المستشارية، الذي ملأته على امتداد 16 عاماً متواصلة، ثم حان الوقت الذي ستغادر فيه عندما تنعقد الانتخابات الجديدة صباح الأحد المقبل. وهي لم تملأه في نطاق بلادها وكفى، ولكنها فاضت منه إلى القارة من حولها فحققت زعامة لم تنعقد لأحد من ساسة أوروبا في وجودها!
ولأن أزمة الغواصات الناشبة بين الدول الأربع جاءت قبل انتخابات الألمان بأيام معدودة على أصابع اليدين، فمن الطبيعي أن يصل وجعها لدى الرئيس الفرنسي إلى العظم، ومن المنطقي أن يستشعر بينه وبين نفسه، أنها تأتي في توقيت لا يهدد زعامته المرتقبة في القارة الأوروبية وفقط، وإنما يهز مركزه في انتخابات الرئاسة التي سيكون عليه أن يذهب إليها بعد شهور!
كأنه يجد نفسه في لحظة طارئة على موعد مع ضربتين متزامنتين في الدماغ، إحداهما سيستغلها منافسوه في الانتخابات دون شك، والأخرى ستجعل مقعد ميركل يبدو شاغراً ممن يخلفها من حيث المكانة، والتأثير، ثم النفوذ السياسي في أرجاء القارة، أو هكذا سيكون الأمر إلى حين إذا ما ربط الأوروبيون بين التوقيت الذي اشتعلت فيه أزمة الغواصات، وبين توقيت ذهاب الناخب الألماني إلى صناديق الاقتراع في استحقاق انتخابي معروف توقيته سلفاً منذ سنوات!
فهل يمكن الربط بين التوقيتين بالفعل، أم أنه رابط يُحمّل الموضوع أكثر مما يحتمل، ويتعسف في تفسير ما حدث ولا يزال يحدث في ملف الغواصات؟!
الحقيقة أن لدى ماكرون من العلامات، منذ استقر في القصر، ما يقول إنه يرصد خطوات المستشارة الألمانية التي راكمت زعامتها سنة من بعد سنة، وأنه يُحصي الأيام المتبقية على موعد المغادرة في أجندتها المعلنة، وأنه يجهز نفسه لسنوات يراها تنتظره في مرحلة ما بعدها، وأنه يتهيأ منذ وقت مبكر لعله يملأ مقعدها الذي سيكون خالياً خلال ساعات على مستوى زعامة القارة!
ولا تتعلق زعامته التي تنبأت بها المجلة الأميركية مبكراً بشخصه وحسب، ولكنها تتجاوز ذلك إلى فرنسا نفسها التي تتصرف طول الوقت مع الأميركيين، كما يتصرف الند مع الند، والتي ترى أن وجودها عضواً في حلف الناتو مع الولايات المتحدة، لا يمنع أن تحتفظ العاصمة الفرنسية باستقلالية خاصة تراها لنفسها، ولا تبدو مستعدة للتفريط فيها ولا في شيء منها!
هذا بالطبع على العكس من لندن تماماً، فهي لا ترى حرجاً في أن تمشي وراء واشنطن في الكثير من القضايا الدولية، ولا ترى عيباً في أن تكون العاصمة الأميركية سابقة عليها بخطوة وربما بخطوات في الكثير من الملفات، رغم ما شاع في منطقة الشرق الأوسط في الكثير من الكتابات، من أن بريطانيا تمثل العقل عند الاشتباك مع قضايا هذه المنطقة من العالم، وأن الولايات المتحدة تظل تمثل العضلات!
والذين يعتقدون في هذه الفكرة يدللون على صوابها بما كان هنري كيسنجر يفعله، وقت أن كان مستشاراً للأمن القومي ووزيراً للخارجية في إدارة الرئيس نيكسون، فلقد كان إذا جاء المنطقة مر على عاصمة الضباب في طريقه إلى منطقتنا، فإذا رجع منها فإنه كان يتوقف في عاصمة الإنجليز في أثناء عودته، ولم يكن يمر ولا كان يتوقف لأنه سائح يرغب في إلقاء نظرة على معالم العاصمة البريطانية، ولكنه كان يمر ويتوقف ليرى ماذا لدى حكومة الملكة هناك، وماذا في رقم عشرة دوانينغ ستريت الشهير مما يمكن أن يفيد ويضيف!
وعندما يأتي وقت يجري فيه الإفراج عن أوراق تخص ما يسمى الربيع العربي في العاصمتين الأميركية والبريطانية، سيتبين في الغالب أن ما كان يمارسه كيسنجر لم يكن فريداً من نوعه في شأن التنسيق بينهما على هذا المستوى، وأن له ما يماثله في العلاقات بين البلدين!
ومن الجائز طبعاً أن تكون صفقة الغواصات بين واشنطن والعاصمة الأسترالية كانبيرا بعيدة عن كل ما يشغل بال ماكرون، من نوع ما كانت «تايم» قد أشارت إليه في شأن مستقبله السياسي، ومن الوارد ألا تكون للصفقة علاقة في حقيقتها بمشاغله وهواجسه التي تلازمه ويعبّر عنها في بعض مواقفه، أو ترصدها المجلة في صورة على غلاف، ولكن رد فعل فرنسا منذ اللحظة الأولى التي جرى فيها الإعلان عن ملامح الصفقة، يقول إن الجمع في سياق واحد بين شواغل مستقبل الرئيس الفرنسي وبين مخاوف بلاده مما تراه وراء الغواصات، هو جمع له منطق يتناسق بعضه مع بعض!
إن تداعيات الصفقة يوماً بعد يوم تكشف عن الكثير مما لا يكون ظاهراً بطبيعته في لحظته، وتكشف عن أن باريس تراها أبعد من مجرد عائد خسرته بعد إقدام حكومة سكوت موريسون في أستراليا على فسخ عقد شراء 12 غواصة فرنسية، وتراها أكبر من 56 مليار يورو كانت ستدخل الخزانة الفرنسية العامة من وراء إتمام الصفقة، وهذا ما سوف نتبيّنه إذا ما تأملنا ما يقال من كلمات على مستوى الطرف الأسترالي بالذات!
من ذلك ما صدر عن موريسون صراحةً عن أن باريس كانت على علم مسبق بمخاوف رادوت كانبيرا، فيما يتعلق بالقدرات الهجومية للغواصات الفرنسية!
وهذا حديث أسترالي لا يتوقف عند حدود صفقة تجارية بين بلدين جرى عقدها ثم فسخها، ولا حتى عند حدود أزمة عابرة بين عاصمتين لا تلبث أن تقل حدتها لتتجاوزها الأحداث، ولكنها تبلغ حد التشكيك في كفاءة صناعة بكاملها لدى الفرنسيين!
ليس واضحاً إلى أي مدى ستتقبل حكومة ماكرون هذه النبرة من الحكومة الأسترالية، ولا إلى أي مدى يمكن أن يتواصل غضب فرنسا بعد أن استدعت سفيريها من واشنطن وكانبيرا للتشاور، وهو إجراء دبلوماسي معتاد إذا ما تأزمت العلاقات بين دولتين، ولكنها المرة الأولى التي تتأزم فيها علاقة فرنسا بالولايات المتحدة وأستراليا فتصل إلى هذا الحد الساخط!
ولم تراهن إدارة الرئيس جو بايدن على شيء في إطفاء غضب فرنسا، إلا على اتصال رئاسي أميركي - فرنسي قال المتحدث باسم الحكومة في الإليزيه إنه سيتم بناءً على طلب من الرئيس الأميركي، وهو ما يعني أن البيت الأبيض يشعر بحجم الحرج الذي أوقع فيه حكومة ماكرون حين تفجرت أنباء الصفقة وصارت مادة تتداولها وسائل الإعلام!
وفي كل الأحوال، فإن أي قراءة لما جرى ويجري بين الطرفين، الأميركي والبريطاني والأسترالي من جهة، والفرنسي على الجهة الثانية، ستبقى في حاجة إلى أن تتكئ على غلاف «تايم» القديم، لا لشيء، إلا لأن المجلة عندما وضعت الصورة على الغلاف، كانت تقرأ طالع ماكرون وهو لا يزال يتحسس مواطئ قدميه ليس فقط داخل الإليزيه، وإنما في أركان خريطة القارة التي يراودها طموحه من الشمال إلى الجنوب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة على غلاف في ملف الغواصات صورة على غلاف في ملف الغواصات



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك

GMT 09:42 2020 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك 4 مخاطر للنوم بعد تناول الطعام مباشرة عليك معرفتها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon