بقلم-سليمان جودة
فى 6 يناير من هذا العام، ظهرت المذيعة الصينية جيانج ليلاى فى برنامج منوعات تليفزيونى يراه ويتابعه الصينيون، وكان إلى جوارها مذيع يشاركها تقديم البرنامج.. ولكن.. ما أبعد الفرق بينه وبينها.. فلقد كان المذيع من لحم ودم مثل أى مذيع على أى شاشة فى العالم.. أما «ليلاى» فكانت «روبوت» يعمل بالذكاء الاصطناعى.. وكانت إنسانًا آليًا يعمل فى هذه الوظيفة للمرة الأولى فى الصين وفى غير الصين.. وكانت مبرمَجة على التواصل مع المشاهدين، وعلى الابتسام، وعلى التفاعل.. أما المعلومات المنشورة عنها فتقول إن برنامجها هو الأكثر مشاهدة على قناة تشجيانج، وإنها حققت حتى الآن مليار مشاهدة على القناة!.
وفى أول أيام منتدى دبى للإعلام العربى، الأربعاء الماضى، ظهرت الفكرة عربيًا للمرة الأولى أيضًا، وفوجئ الحضور الذين انتظروا المذيع مصطفى الأغا فى إحدى جلسات المنتدى، بروبوت يظهر على المنصة بدلًا منه، ويتحدث معهم بصوته.. صوت الأغا، مدير البرامج الرياضية فى قنوات إم بى سى، الذى غاب بجسده عن المنصة، بينما حضر صوته من خلال الروبوت!.
ومن قبل كنا قد قرأنا عن أن الإنسان الآلى يحل محل الإنسان الطبيعى فى مجالات عمل كثيرة، وحالياً هناك فنادق فى العالم تُدار بالكامل عن طريق الروبوت.. فهو الذى يستقبل عملاء الفندق، وهو الذى يتولى إجراءات تسليم الغرفة لكل عميل، وهو الذى يتابع مع العملاء من لحظة وصولهم حتى مغادرة الفندق!.
ولكنها فى دبى تظل المرة الأولى عربيًا، بعد أن كانت الأولى عالميًا فى الصين، وإذا كان المذيع الأغا قد قال، عبر الروبوت الخاص به على منصة المنتدى، إن ميزة الإنسان الآلى أنه لا يغضب، ولا يتعب، ولا يتقدم فى العمر، ولا يحتاج إلى أزياء ولا إلى مستلزمات من نوع ما يحتاج إليه المذيع الإنسان، فهذا معناه أن هذا المذيع الروبوت مجرد شكل لا يحتوى على مضمون!.
فالمضمون الذى يخرج ليتحدث به فى الحالتين.. حالة المذيعة «ليلاى» وحالة روبوت الأغا.. مضمون مبرمَج فى النهاية.. هو مضمون جاء به إنسان طبيعى ووضعه فى ذاكرة هذا المذيع المصنوع، وهذه الذاكرة تبقى مستطيعة بغيرها، لا بذاتها، فإذا لم تستقبل محتواها من إنسان طبيعى يقف وراءها ويمدها بما سوف تقوله، فإنها تتوقف عن البث على الفور!.
فما المعنى؟!.. المعنى أن الإعلام فى النهاية محتوى، سواء كان الذى يقدمه مذيعًا حيًا، أو كان مذيعًا آليًا من الرقائق والدوائر وأسلاك الكهرباء وشبكات النت.. إنه المحتوى الذى يخاطب عقول الناس، ويجعل «ليلاى» تحصل على هذا العدد المليارى من المشاهدات!.. ماذا يقدم إعلامنا للمتلقى؟!.. هذا سؤال يجب أن يؤرقنا على الدوام!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع