توقيت القاهرة المحلي 18:35:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ولأن أمريكا ليست الجنة..

  مصر اليوم -

ولأن أمريكا ليست الجنة

وائل عبد الفتاح

عبد الخالق يشعر بالثقة الكبيرة وهو يسير بالتاكسى فى شوارع نيويورك.. حاملا القرآن والكتب الدينية يقرؤها فى أوقات استراحته.. ويفخر بأنه منح صوته لأوباما.. ويروى حكايات ذهابه للعمرة ضمن رحلة سياحية تضمنت زيارة الأردن. عبد الخالق يؤلف أيضا كتب الدعوة إلى الإسلام.. ويشعر بأنه زمان فهو لم يكن يستطيع تربية لحيته المسدَلة بفوضوية فى بلاده الباكستان، حتى فى أثناء الحكم باسم الشريعة الإسلامية، وهو أيضا لم يعرف ويستمتع بدراسة القرآن.. إلا عندما قرر اللحاق بعائلته الكبيرة فى أمريكا منذ أكثر من ٢٠ سنة. أسئلتى لعبد الخالق كانت على هامش سيول من الأسئلة عما يحدث فى مصر.. وعن العلاقة بين السنة والشيعة.. والمذاهب الشائعة.. ووضع المسيحيين.. والفرق بين مبارك والمرسى.. والوهابية.. والسلفية.. والإخوان.. وقبل أن أصل إلى الفندق سألته: لماذا تشعر بالثقة والاطمئنان.. وأنت هنا أقلية؟ نظر إلىّ عبد الخالق مندهشا.. ولم يجبنى.. وأخرج من درج السيارة كتابا باللغة الأوردية (المستخدمة فى الباكستان).. موقعا باسمه.. ويجمع فيه الآيات والأحاديث التى تتناول نظرة الإسلام لموضوعات فى الحياة.. وهو واحد من سلسلة ينشرها فى الباكستان وبين الباكستانيين المقيمين فى أمريكا.. وبينما أتأمل صفحات الكتاب جاء رد عبد الخالق على سؤالى: إنها الديمقراطية. عبد الخالق يفهم الديمقراطية بالخبرة والتجربة، وفى سنواته الأولى عاش الوقت الذى كان ممنوعا فيه على السود ركوب الأوتوبيسات ودخول بعض المطاعم، ثم رأى كيف انتزعوا حقوقهم.. وهنا أدرك بنفس الخبرة أنه سيعيش رحلة الدفاع عن حق أصحاب البشرات البنية (على حد تعبيره) ومن ليس أبيض أو أسود.. وهكذا تبدو الديمقراطية عملية.. وليست حدثا ينتهى عند صندوق الانتخابات، حيث يخطف الفائز المفتاح.. ويوزع بمزاجه الأنصبة والمنح والعطايا. لا بد أن يشعر عبد الخالق بالسعادة فى شوارع نيويورك وهو لا يهتم بمراقبة الآخرين أو التدخل فى حياتهم الشحصية.. مستمتعا بحريته أيضا فى اختيار شكل حياته. لا يهتم عبد الخالق بإصدار فتاوى تحريم البكينى فى شواطئ فلوريدا ولا المينى جيب فى عز الشتاء فى شوارع نيويورك.. لا هو ولا أى من السلفيين المقيمين فى أمريكا.. ويراعون مساحتهم ويعرفون مدى قدسية الحرية الشخصية فى هذه البلاد فيحترمونها ويستمتعون بما تمنحه لهم من فرص الحياة كما تريد. هذا لا يمنع من وجود متطرفين يرون أن بنى لونهم أو دينهم هم من يستحقون الحياة.. لكنهم يصنفون على قائمة التطرف.. ولا يملكون حق الاعتداء أو سلطة الاعتداء على حيرة وعقائد الآخرين. هناك اعتراف بالواقع.. وبوجود اختلافات تمنح أمريكا قوتها.. وتجدد شبابها كلما استطاعت أن ينتمى إليها طيف أوسع يعيشون فى ظل نظام من بين أهدافه المذكورة فى الدستور: تحقيق السعادة. مرة أخرى: لماذا شعر عبد الخالق بالأمان فى بلاد شنت قبل سنوات عن طريق رئيسها المجنون بوش الصغير: حربا صليبية.. على المسلمين؟ هل لأن أمريكا هى الجنة على الأرض؟ أم لأن ماكينة الرأسمالية تعامله بحنانها البالغ؟ طبعا لا أمريكا جنة، ولا الرأسمالية حنون فى العادة، لكن عملية بناء الديمقراطية أثمرت قواعدها فى عقد اجتماعى اتفق الجميع على أنه ضمان لسعادة الجميع.. وكلما سارت الديمقراطية للأمام تتأكد فكرة أنه لا معنى لطغيان مجموعة من البشر ولا تمايزهم بسبب الجنس أو الدين أو العرق.. ويمكن لمجتمع أن يختار امرأة فى موقع السيناتور.. لأنها أظهرت كفاءة.. بينما السيناتور القديم خسر مكانه بعد ١٤ عاما متواصلة.. حدث هذا فى ماديسون ولم يسأل المجتمع عن هويتها الجنسية، ولا عن حالتها الاجتماعية.. ولا عن لونها.. ولا دينها.. ولا حسابها فى البنك.. ولا لأنها تحمل صكوكا إلى الجنة.. أو ستدافع عن دين أو عقيدة أو وطنية.. فقط لأنها أظهرت ما لم يستطع السيناتور القديم مواجهته. وأنا أنهى بحكاية السيناتور الجديد فى ماديسون، ربما نعرف سر سعادة عبد الخالق فى نيويورك.. وراجعلك يا مصر. نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولأن أمريكا ليست الجنة ولأن أمريكا ليست الجنة



GMT 06:37 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

يعقوب يكتب مذكراته

GMT 06:34 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

اعترافات ومراجعات (53).. مذكرات مجدي يعقوب

GMT 06:31 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

الهدنة المؤقتة

GMT 06:29 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

عصام الشماع موهبة قهرها الزمن!!

GMT 06:26 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

ماذا يقرأ المتظاهرون؟!

GMT 06:23 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حياة غالية وأخرى فالصو

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

البلدية جاية

GMT 02:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المنطقة و«اللمسات الأخيرة»

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 12:03 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:35 2021 الأربعاء ,28 تموز / يوليو

محمد جمعة ينشر البوستر الرسمي لمسلسل "الحرامي 2"

GMT 02:11 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

مجدي عبد الغني يؤكد على عدم إلغاء " الدوري"

GMT 20:28 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن حوار بين سكيلوتو وتيفيز بنهائي "ليبرتادوريس"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon