توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التَّصريحْ بجمالِ بعضِ أبياتِ المديحْ

  مصر اليوم -

التَّصريحْ بجمالِ بعضِ أبياتِ المديحْ

بقلم:تركي الدخيل

سُئِلَ أبو تَمَّامٍ عَنْ أَمدَحِ بَيْتٍ قَالَهُ؟ فأشارَ إلى قولِه:

فَلَوْ صَوَّرْتَ نَفْسَكَ لَمْ تَزِدْهَا

عَلَى مَا فِيْكَ مِنْ كَرَمِ الطِّبِاعِ

والحق أَنَّ البيتَ من أجملِ أبياتِ المديحِ، فالشَّاعرُ يقولُ لِمَمدوحِهِ، إِنَّه، حتَّى لو أرادَ أنْ يَصنَعَ صُورتَه مِنْ جَديدٍ، فإِنَّه فِي الصُّورةِ التي سيشكلُهَا بشكلٍ كَاملٍ، لن يستطيعَ أَنَّ يُضيفَ لنفسِهِ مَا يَزيدُهَا بِهِ، مِمَّا ليسَ لَديهِ منَ الخَصَائصِ الإيجَابِيَّةِ، وَالطّبَاعِ الكَرِيمَة.

عَادةُ النَّاسِ إذَا تَحَدَّثُوا عَنْ أنفسِهمْ، أنْ يبالغُوا ويتزيدُوا، لكنَّ الممدوح حتَّى وهوَ يصنعُ صورةً جديدةً، علَى سَبيلِ الافترَاضِ، الذِي دَلَّتْ عَليهِ (لَوْ) فِي البَيتِ، بِكَمَالِ صِفاتِهِ، خِلافاً لِكونِهِ لَنْ يضيفَ زيادة مَزايا لنفسِه، إلَّا أنَّه لَا يَفعلُ ذلكَ بدافعٍ أَخْلاقِيّ أيْضاً، فهوَ لَا يقولُ غيرَ الحَقّ، وَلَا يَقبلُ أَنْ يتزيَّدَ فِي واقعٍ، وَلَا يقولُ مَا ليسَ صَحيحاً، أوْ يبتكرُ ما ليسَ مَوجُودًا، وَهوَ مَلمحٌ يُضيفُ إلَى جَمَالِ البَيتِ مَزيداً مِنَ الجَمَال.

وَاللَّافتُ أَنَّ أبَا تَمَّامٍ، فِي حَديثِهِ عَنْ خَلقِ صُورةٍ جَديدةٍ، تَحَدَّثَ عَنِ الطَّبعِ، فِي قَولِه: «علَى مَا فِيكَ مِنْ كَرَمِ الطّبَاعِ».

وَالحَديثُ عَنِ الطّباعِ فِي فِكرةٍ خَياليَّةٍ، تقومُ علَى صِناعَةِ صُورَةٍ كَامِلَةٍ، يُظهِرُ بِجَلَاءٍ، قَناعةَ الشَّاعِر، بمَا للطَّبعِ منْ كَبِيرِ أثرٍ فِي السُّلوكِ البَشَرِيّ.

قِيلَ: إنَّ أعظمَ شِعرٍ مُدَحَ بهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قولُ حسَّانَ بنِ ثابتٍ فِي مَدحِ النَّبِيّ المُصْطَفَى:

وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي

وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُلِقْـتَ مُبَـرَّءًا مِـنْ كُـلِّ عَيْبٍ

كَـأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

وَمِنْ إحسانِ حسَّان، في البيتينِ، وَعلَى الرّغمِ منْ أنَّه يَمدحُ خيرَ البَشرِ ﷺ، فَإِنَّه لمْ يَنسُبْ لِلنَّبيّ عَليهِ السَّلامُ، مَا لَا يَجوزُ نِسبتُهُ لِغيرِ اللهِ سُبحانَه.

فقولُهُ مُخاطبًا النَّبِيَّ ﷺ: «خُلِقتَ مُبرّءًا من كلّ عيبٍ»، تأكيدٌ علَى أَنَّ اللهَ خَلقَ نَبيَّه علَى أكْملِ صُورَةٍ، وَأَجمعِهَا لِلمَحَاسِنِ.

وَقولُهُ: «كأَنَّكَ قدْ خلقتَ كَمَا تشاءُ»، خرجَ منْ نِسبةِ المَشيئةِ للنَّبِيّ ﷺ فِي خلقِهِ، باستخْدامِه كَلِمةَ: «كَأنَّك»، وَحَرفَ: «قد»، وَهُمَا صَيَّرَا الجملةَ في دَائرةِ الشَّكِ، لَا الجَزمِ وَالتَّأكيدِ.

وَمنْ أبياتِ المَديحِ اللَّطيفَةِ، بَيتُ الشَّاعِرِ العَبَّاسِي «كُشَاجِم»، الذِي يقولُ فيهِ:

شَخَصَ الأَنامُ إِلَى كَمَالِكَ فاسْتَعِذْ

مِنْ شَرِّ أَعْيُنِهِمْ بِعَيْبٍ وَاحِدِ

وَمِنَ اللفتاتِ الجَميلةِ في البيتِ، أَنَّ الشَّاعرَ جعلَ الاستعاذةَ مِنْ شَرّ أعينِ الشَّاخِصينَ لِكمالِ المَمْدوحِ، تَكفِي بعيبٍ وَاحدٍ فقط!

فَمِنَ الأضدادِ فِي البَيتِ، أنَّ سببَ شُخوصِهمْ «كمالُ» المَمدوحِ، وَضِدُّهُ: الاستعاذةُ منْ شرّ أعينِهم بـ«عيب».

وَالعَيبُ ضِدُّ الكَمَال.

وَمنَ الأضدادِ: أن يكونَ «الأنامُ» شَخصوا إلى الكَمالِ، وَالأنامُ همْ مَنْ عَلَى الأرضِ مِنْ جِنٍّ وَإنْس، مَا يعنِي أنَّ مَنْ شخَص إلَى الكَمالِ لا يُحصَى عددًا، وأنْ يكونَ قُبالةَ ما لا عَدَّ له كثرة، عيبٌ «واحدٌ» يُستعاذ به. فكثرةُ مَا لا يمكنُ عَدُّهُ، ضدُّه أقلُّ معدودٍ وهوَ الوَاحد!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التَّصريحْ بجمالِ بعضِ أبياتِ المديحْ التَّصريحْ بجمالِ بعضِ أبياتِ المديحْ



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt