توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سَلْمٌ الخاسِر و «بي بي سي»!

  مصر اليوم -

سَلْمٌ الخاسِر و «بي بي سي»

بقلم:تركي الدخيل

وَسَلْمٌ الخَاسِرُ، هو ابنُ عمرو بنِ حمَّاد، مولَى بنِي تيم بن مُرَّةَ، ثمَّ مولَى آلِ أبي بكرٍ الصّديق، وَهوَ شاعرٌ عبَّاسِيٌ، بصريٌ، مطبوعٌ، مَدحَ الخُلفَاءَ، تُوُفّيَ فِي خِلَافةِ الرَّشِيدِ، سنةَ 186هـ، (802 م).

نقلَ الأصْفَهَانِي فِي «الأغَانِي» عَن أَحَدِ مُعَاصِرِي سَلم، أنَّه دَخلَ عَليهِ يَوماً، وإذَا بينَ يَديهِ قَرَاطيسُ فيهَا مَراثٍ لِشخصيَّاتٍ عَامَّةٍ لم تَمُتْ حينَهَا! فَقَالَ لَهُ: وَيحَك مَا هَذَا؟ فَردَّ الخَاسِرُ، بِقَولِهِ:

«تَحدُثُ الحَوادثُ فَيُطالبونَنَا، بأنْ نَقولَ فِيهَا، وَيَستعجلُونَنَا، وَلَا يَجْمُلُ بِنَا أنْ نَقولَ غَيرَ الجَيّدِ، فَنُعِدُّ لَهمْ هَذَا قَبلَ كَونِهِ، فَمَتَى حَدَثَ حَادِثٌ أظْهرْنَا مَا قُلناهُ فيهِ قَدِيماً، عَلَى أنَّهُ قِيلَ فِي الوَقْت»!

يَبدُو جَوابُ سَلم الخَاسِر جَافّاً، خَالياً مِنَ الإنسَانيَّة، لَكِنَّه كَانَ يعْمَلُ قبلَ أكثرَ من 12 قرناً بأسلُوبٍ تَعمَلُ بِهِ وَسَائلُ الإعلَامِ المُحترفةُ اليَوم.

حَدَّثنِي صِحَافِيٌ فِي «بي بي سي»، أنَّ الهيئةَ الإخباريةَ البريطانية، كانت تدرِّبُ كوادرَها مِنْ صحافيينَ ومُذيعينَ، علَى إذاعةِ خبرِ وفاةِ المَلِكةِ الرَّاحلةِ إليزابيث الثَّانية، التِي تُوفيت فِي سِبتمبرَ (أيلولَ) مِنْ عامِ 2022، عن 96 عاماً، قضتْ منهَا سبعينَ عاماً، مَلِكةً للمملكةِ المتحدة. وَكَانتْ هذهِ التَّدريباتُ تَتضمَّنُ التَّعاملَ معَ خبرِ وفاةِ الملكةِ خلالَ حياتِهَا، باعتبارِه وَقعَ، وتنفيذَ نشراتٍ وتقاريرَ عن رَحيلِ المَلكةِ كَمَا لَوْ كَانَ الأمرُ حَقيقةً، كُلُّ ذلكَ فِي حَياتِهَا، لَا سِيَّمَا فِي العُقودِ الثَّلاثةِ الأخيرةِ مِنْ حَياةِ المَلكةِ الرَّاحِلَةِ.

هذهِ الاحترَافيةُ العَمليَّةُ مِنْ سَلمِ الخَاسِر، لمْ تَقتصرْ عَلَى كِتَابَةِ رثاءٍ فِي الأحْيَاء، لِيكونَ الشَّاعرُ جَاهزاً لتَِأبينِهمْ إذا مَاتُوا، بلْ تجاوزتْهَا إلَى مَعالمَ كثيرةٍ!

وكان سَلم لُقِّب بالخاسر، لأنَّ أَبَاهُ خلَّفَ لهُ مالًا بعد وفاتِه، فأنفقَهُ علَى الأدبِ، فقالَ لهُ بعضُ أهلِه: إنَّك لَخَاسرُ الصفقة، فلُقِّب بذلكَ.

ثُم مَدَحَ سَلمُ الخَاسرُ، الخليفةَ العباسيَّ هارونَ الرَّشيدَ، فأمرَ له بمائةِ ألفٍ درهمٍ، وقالَ لهُ: كَذِّبْ بِهذَا المَالِ مَنْ لقَّبَكَ بِالخَاسر. فجاءَهمْ بهَا، وقَالَ: هذَا مَا أنفقتُهُ علَى الأدَبِ، ثمَّ ربَحْتُ الأدبَ، فأنَا سَلْمٌ الرَّابحُ لَا سَلمٌ الخاسرُ، كَمَا ذكرَ ياقوتُ في «معجم الأدباء».

شُهِد لسَلمٍ بالتَّفوُّقِ فِي مَعرفةِ أشعارِ الجَاهِلِيّينَ، وَكَانَ سَلمٌ تلميذاً وَراويَةً لبَشَّارِ بنِ بُردٍ، وَصديقاً لأبِي العَتَاهِية، فَلَمَّا قالَ بشارٌ قَصيدتَه، التِي يقولُ فيهَا:

مَنْ رَاقبَ النَّاسَ لَمْ يَظفَرْ بِحَاجتِهِ

وَفَازَ بِالطّيّبَاتِ الفَاتِكُ اللَّهِجُ

قَالَ سَلْمٌ أبْيَاتاً أدخَلَ فيهَا مَعنَى هذَا البيتِ، ومنهَا:

مَنْ راقبَ النَّاسَ مَاتَ غمّاً

وَفَازَ بِاللَّذةِ الجَسُورُ

فَبلغَ بيتُه بشَّاراً فَغَضِبَ، وَقالَ: سَارَ وَاللهِ بيتُ سَلمٍ وخَمَلَ بيتُنَا.

وهذَا مَا حدثَ، فبيتُ سَلمٍ سَهلُ اللَّفظِ سَلِسُ النُّطقِ، خالٍ من التَّكلفِ، ممَّا جعلَه أقربَ للنَّاسِ، ولذلكَ لَهجَ النَّاسُ بِبيتِ سَلم، وَلم يُنشِدْ بيتَ بشارٍ أحدٌ، فكانَ ذلكَ سبباً في النُّفورِ بينَهُمَا، لكنَّ سَلماً واصلَ رحلةَ صعودِهِ، وتقديمِه مُنتَجَهُ بِشكلٍ سَهْلٍ يَسيرٍ، يَقعُ مِنْ نفوسِ المُتلقّينَ موقعَ القَبُولِ.

وذُكِر مِنَ اقتدارِ سَلمٍ الخاسرِ علَى الشّعرِ، أنَّه اخترعَ شِعراً علَى حَرفٍ وَاحدٍ، ولمْ يُسبَقْ إلَى مثلِ ذَلكَ، لأنَّ أقلَّ شِعرِ العَربِ عَلَى حرفينِ، نحوَ قولِ دُريد بنِ الصِّمَّة:

يَا ليتنِي فيهَا جَذَعْ

أخُبُّ فيهَا وأضَعْ

فَقالَ سَلمٌ الخَاسرُ لِأميرِ المُؤمنينَ مُوسَى الهَادِي شِعراً علَى ضَربٍ وَاحِدٍ منهُ:

موسى المطر غيثُ بكَرْ

ثم انهمرْ لما اغتفرْ

ثم غفرْ لما قدرْ

ثم اقتصرْ عدل السير

باقي الأثرْ خير البشرْ

فرع مضر بَدرٌ بَدَرْ

لمن نظرْ هو الوزرْ

لمن حضرْ والمفتخرْ

قالَ ابنُ المعتز: كانَ سَلمٌ مزَّاحاً لطيفاً، مدَّاحاً للملوكِ والأشرافِ، وكانُوا يُجزلونَ له الثوابَ والعطيةَ، فيأخذُ الكثيرَ ويُنفِقُه علَى إخوانِه. وغيرِهمْ مِنْ أهلِ الأدَبِ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سَلْمٌ الخاسِر و «بي بي سي» سَلْمٌ الخاسِر و «بي بي سي»



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt