توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة

  مصر اليوم -

البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة

بقلم:تركي الدخيل

بَيْتُ القَصِيِدِ، هُوَ بَيْتٌ شَهِيرٌ، مَذْكُورٌ فِي غَالِبِ كُتُبِ الشَّوَاهِدِ النَّحْوِيَّةِ، وَيُنْسَبُ – عَلَى الأَرْجَحِ – إِلَى الشَّاعِرِ الإِسْلَامِيِّ الشَّهِيرِ: مِسْكِين الدَّارِمِيِّ، وَهوَ قَوْلُهُ:

أَخَـاكَ أَخَـاكَ إِنَّ مَـنْ لَا أَخَـا لَـهُ

كَـسَـاعٍ إِلَـى الـهَيْـجَـا بِـغَـيْـرِ سِـلَاحِ

و«أَخَاكَ»: مَنْصُوبٌ، فَاعْتَبَرَهُ الخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الفَرَاهِيدِيُّ، فِي كِتَابِهِ: «الجُمَلِ فِي النَّحْوِ»، شَاهِدًا عَلَى النَّصْبِ مِنَ التَّحْذِيرِ، فَنَصْبُ «أَخَاكَ» بِالفَتْحَةِ يَقْتَضِي التَّحْذِيرَ. وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا﴾، أَيْ: احْذَرُوا نَاقَةَ اللهِ أَنْ تَمَسُّوهَا بِسُوء.

وَفِي البَيْتِ يُحَذِّرُ الشَّاعِرُ مِنْ مَغَبَّةِ خَسَارَةِ الأَخِ، وَيُؤَكِّدُ أَنَّ مَنْ كَانَ بِلَا أَخٍ، سيصيرُ ضَعِيْفاً خَوَّاراً.

وَقَدْ أُضْمَرَ الفِعْلُ فِي البَيْتِ لِوُضُوحِهِ، كَأَنَّهُ يُرِيْدُ: الزَمْ، أَوِ احْفَظْ أَخَاكَ. وَهوَ أسلوبُ إغْرَاءٍ أيضاً وأخاكَ الثَّانِيَة تَوْكِيدٌ لَفْظِيٌّ.

قَالَ البَغدَادِي فِي «خِزَانَة الأدب»:

يَقولُ: استكثرْ من الإِخوَانِ، فَهُم عُدَّةٌ تستَظْهِرُ بِهَا عَلَى الزَّمَانِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «المَرءُ كَثيرٌ بِأخِيهِ».

وَجَعَلَ مَنْ لَا أَخَ لَهُ، كَمَنْ قاتَلَ عَدُوَّهُ بِلَا سِلَاحٍ. وصَدَقَ، فَإِنَّ مَنْ قَطَعَ أخَاهُ وصَرَمَهُ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَاتَلَ بِلَا سِلَاحٍ.

وَلَا يَقْتَصِرُ مَعْنَى الأَخِ عَلَى أُخُوَّةِ الدَّمِ، بَلْ يَشْمَلُهَا وَيَشْمَلُ الأُخُوَّةَ بِمَعْنَاهَا العَام، وَلِذَلِكَ تَحَدَّثَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ الإخوَان مِنْ «عُيُون الأَخبَار»، عَنِ الحَثِّ عَلَى اتّخَاذِ الإِخْوَانِ وَاخْتِيَارِهِمْ، وَلَا يُمكِنُ اخْتِيَارُ إِخْوَانِ الدَّمّ بِلَا شَكٍّ.

أوردَ هَذَا البَيْتَ أَبُو عُبيدٍ القَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ فِي أَمْثَالِهِ، وَقَالَ: «هُوَ مَثَلٌ فِي اسْتِغَاثةِ الرَجُلِ بِأهْلِ الثّقَةِ».

وَ(الهَيْجَا): الحَرْبُ. وحُذِفَتِ الهَمْزَةُ لِلضَّرُورَةِ الشّعْرِيَّة.

وَبَعدَهُ يَقُولُ:

وَإِنَّ ابْنَ عَمِّ الْمَرْءِ فَاعْلَمْ جَنَاحُهُ

وَهَلْ يَنْهَضُ البَازِيْ بِغَيْرِ جَنَاحِ

وعَجُزُ البَيْتِ الثَّانِي، مِنَ أنصَافِ الأبيَاتِ الّتِي ذَهَبَتْ أَمْثَالًا، وهُوَ مذكُورٌ في جُلِّ كُتُبِ الأَمْثَال.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «المُستقصَى من أمثال العَرَب»: «يُضْرَبُ لِمَنْ قَلَّ أَنْصَارُهُ وَلِمَنْ يَدَّعِي عِلْمًا لَيْسَ مَعَهُ آلَةٌ».

قَالَ المَيدانِي في «مَجْمَع الأمْثَال»: «يُضْرَبُ في الحَثِّ على التَّعَاوُنِ وَالوِفَاقِ».

«البَازِي»: نَوْعٌ مِنَ الصُّقُوْرِ التِي تُستَخْدَمُ فِي الصَّيدِ.

وَنَحوُ عَجُزِ بيتِ مِسكين الثَّانِي، قَولُ مَجَاعَةَ بنِ مَرَارَةَ الحَنَفِيّ اليَمَامِيّ:

وَهَلْ يَنهَضُ البَازِيُّ إِلَّا بِرِيْشِهِ

وَهَلْ يَحْمِلُ الأَعضَادَ غَيْرُ السَّوَاعِدِ

وَ(نَهَضَ): النُّونُ وَالْهَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ فِي عُلُوٍّ. وَنَهَضَ مِنْ مَكَانِهِ: قَامَ. وَمَا لَهُ نَاهِضَةٌ، أَيْ قَوْمٌ يَنْهَضُونَ فِي أَمْرِهِ وَيَقُومُونَ بِهِ. وَيَقُولُونَ: نَاهِضَةُ الرَّجُلِ: بَنُو أَبِيهِ الَّذِين يَغْضَبُونَ لَهُ. وَنَهَضَ النَّبْتُ: اسْتَوَى. وَالنَّاهِضُ: الطَّائِرُ الَّذِي وَفَرَ جَنَاحَاهُ وَتَهَيَّأَ لِلنُّهُوضِ وَالطَّيَرَانِ. «مقاييس اللغة»، ابن فَارِس.

وكانَ مسكين، قَدِمَ عَلَى مُعَاويَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، وَسَأَلَهُ عَطَاءً مَفْرُوضاً، فأبَى، فَخَرَجَ وَهُوَ يُرَدِّدُ:

أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ...

قِيلَ: إنَّ دَاوُدَ عَلَيهِ السَّلَام قَالَ لابْنِهِ سُلَيمَانَ: «يا بُنَيَّ، لا تَستَقِلَّنَّ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَدُوٌّ وَاحِدٌ، ولا تَستَكْثِرَنَّ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَلْفُ صَدِيقٍ».

وَكَانَ يُقَالُ: «أعجزُ النَّاسِ مَنْ فَـرَّطَ فِي طَلَبِ الإِخوَانِ، وأَعْجَـزُ منه مَن ضيَّعَ مَن ظفِرَ بِهِ مِنْهُمْ».

وَأَنْشَدَ ابْنُ الأعْرَابِيّ:

لَعَمْرُكَ مَا مَالُ الْفَتَى بِذَخِيرَةٍ.

وَلَكِنَّ إِخْوَانَ الثِّقَاتِ الذَّخَائِرُ

وَقَالُوا: الرَّجُلُ بِلَا إِخْوَانٍ كَاليَمِينِ بِلَا شِمَال.

وَقَالَ أيُّوبُ السّختيَانِيّ:

«إذَا بَلَغَنِي مَوْتُ أخٍ لِي، فَكَأنَّمَا سَقَطَ عُضْوٌ مِنِّـي».

(عيونُ الأخبار، لابن قتيبة: 2/ 405–406).

ومِسكِينُ الدَّارِمِيّ (ت 89هـ = 707م): شَاعِرٌ شُجَاعٌ منْ أهلِ الْعِرَاقِ، أَدْرَكَ بِدَايَةَ الدَّولَةَ الأُمَوِيَّةَ، وكَانَ عَلَى صِلَةٍ بِيزيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، الذي كَانَ يَصِلُهُ، ويقومُ بِحَوَائِجِهِ عِنْدَ أَبِيْهِ.

ومِسكِين لَقبُهُ، واسْمُهُ: رَبيعَةُ بنُ عَامِرٍ بنِ أُنيف منْ بَنِي مَالِكٍ بنِ حَنْظَلَةَ بن مَالكٍ بنِ زيدِ مَنَاة بنِ تَمِيم.

وَلُقِّبَ بِمِسْكِيْن، لقَوْلِهِ:

أَنَا مِسْكِينٌ لِمَنْ أَنكَرَنِي

وَلِمَنْ يَعْرِفُنِي جِدٌّ نَطِقْ

وَقَوْلهُ:

وسُمِّيتُ مِسْكِيْنًا وَكَانَتْ لِحَاجَةٍ

وَإِنِّي لَمِسكِينٌ إِلَى اللهِ رَاغِبُ

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt