توقيت القاهرة المحلي 01:24:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان العربي وعودة الدولة

  مصر اليوم -

لبنان العربي وعودة الدولة

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

 

عرفت تواريخ الأمم أياماً وشهوراً وسنواتٍ مثلت تحولات كبرى وتغيراتٍ عظمى كان لها ما بعدها؛ لأنها حصدت ما قبلها بالوعي والرؤية والاستشراف، وهذا الشهر من هذا العام يبدو معبراً عن واحدةٍ من تلك اللحظات التاريخية الاستثنائية.

هذا الشهر يناير (كانون الثاني) 2025 شهرٌ سيتذكره التاريخ طويلاً لأحداثٍ رمزيةٍ تعبر عن نتائج صراعاتٍ طويلةٍ تاريخياً ودولياً وإقليمياً، أما التاريخ فصراعاته السياسية شديدة التعقيد بمنطقتنا في العقود الماضية قد تمخضت عن هزيمة «محور المقاومة»، وهذه الهزيمة هي هزيمة لـ«توحش الأقليات» ميليشياتٍ وتنظيماتٍ، ولمشروعٍ إقليميٍ ضخمٍ ذي امتداداتٍ وعلاقاتٍ ومصالح دوليةٍ كبرى، ويشهد العالم آثار هذه الهزيمة في سقوط «نظام الأسد» في سوريا، و«عودة الدولة» في لبنان، والنهاية القريبة لأتباعه في فلسطين واليمن.

أما دولياً، فسيتمّ تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيساً مرةً أخرى لأميركا أقوى إمبراطورية في التاريخ، في تعبيرٍ رمزيٍ مكثفٍ عن هزيمةٍ تاريخيةٍ لـ«اليسار الليبرالي» في أميركا آيديولوجياً، واجتماعياً، وثقافياً، وسياسياً.

أما إقليمياً، فيجب ألا يلهي الفرح بسقوط «محور الممانعة» الطائفي عن انتعاشٍ سيشهده «محور الأصولية».

ما جرى في لبنان «انتصارٌ»؛ لأن الدولة هناك بدأت طريقاً جاداً في العودة لنفسها ولشعبها، وما جرى في سوريا «انتصار» لسقوط نظامٍ ليس له مثيلٌ في بشاعته وديكتاتوريته في القرن الماضي بأسره، والشعبان اللبناني والسوري جديران بمستقبلٍ زاهٍ لا تتحكم فيه أي محاور إقليمية غير عربية إن طائفياً أو أصولياً.

احتفى الشعب اللبناني بالتغيّر الدراماتيكي للتاريخ في دولتهم والمنطقة، وانتُخب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للدولة بعد عقودٍ من اختطافها من بعض القوى السياسية المسيحية والشيعية المنتمية لما كان يُعرف بـ«محور المقاومة». ولئن كانت قوة السلاح الذي حكم لبنان خارج الجيش وضد الدولة جاءت من إيران وسوريا؛ فقد كان غطاء الشرعية السياسية والدولية يأتي من تيارٍ مسيحي معروفٍ لا تقل مسؤوليته عن ذلك التاريخ الأسود عن مسؤولية «حزب الله».

لبنان كان دولة «مختطفة» أو دولة «رهينة»، وبكل الأحوال «شبه دولة» سياسياً، وهي عاشت حرباً أهليةً طاحنةً، وتدخل فيها سياسياً وأمنياً غالب دول المنطقة، واختلفت قوة الأطراف داخلها بحسب المراحل الزمنية، فمن «منظمة التحرير» الفلسطينية إلى الفصائل والأحزاب التابعة لسوريا أو لإسرائيل. ولئن كان جنوبها محتلاً من إسرائيل في مرحلةٍ من المراحل؛ فلقد كانت بقيتها محتلة من سوريا الأسد وإيران.

اختطفها «حزب الله اللبناني» وجعلها «رهينةً» لدى «محور المقاومة»، وأصبح قرارها لعقودٍ من الزمن رهناً لغيرها؛ لـ«محور المقاومة» بلونه الدموي القاني، ولـ«سوريا الأسد» المنخرطة معه في «توحش الأقليات»، وهو ما أوصل دولة لبنان أو «سويسرا الشرق» لتصبح غير قادرة على التعامل مع «القمامة» في شوارعها وأحيائها، فضلاً عن التحكم في مصيرها السياسي.

نورٌ ثقافيٌّ أشعَّ من دول الخليج العربي على المنطقة، وأشرقت «شمس ثقافة خليجية» بحسب مقال نشره كاتب هذه السطور في 2007، وسطع نجاحٌ تنمويٌّ جديد، غير نفطيٍّ، بدأ من دبي وقال عنه الأمير محمد بن سلمان: «إنه لو ننظر للشرق الأوسط، كانت الدول التي تعمل بشكل جيد تعتمد على النفط، لكن أتى رجل في التسعينات أعطانا نموذجاً أننا يمكننا أن نقدم أكثر... الشيخ محمد بن راشد».

ومع تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية عرف العالم بأسره «السعودية الجديدة» سياسياً واقتصادياً وتنموياً، عبر قيادة ولي عهده صاحب رؤية «السعودية 2030»، وعبر السياسات والاستراتيجيات والرؤى المتماسكة والإدارة الواعية لكافة الملفات؛ ما شكَّل بالفعل «نموذجاً» بدأت تهتف له شعوب المنطقة حتى تلك التي تمثل محاور غير عربية.

قبل عقدٍ ونصف العقد من الزمن وإبان «الربيع العربي» الأسود، وقفت السعودية والإمارات والكويت موقفاً تاريخياً ضد كل القوى الدولية والمحاور الإقليمية في مصر والبحرين وعدد من الدول العربية غيرهما حتى انقشعت الغمة، ولم تستخدم قَطّ شعاراتٍ باليةً ولا آيديولوجياتٍ مهترئة، ولكنها السياسة والاقتصاد والوعي المتقدم.

أخيراً، فلدى لبنان اليوم فرصةٌ تاريخيةٌ بأن يكنس من بلاده عقوداً كئيبةً مضت مع كل ما يمثلها من رموزٍ طائفيةٍ، وطبقةٍ سياسيةٍ، ومواضعاتٍ اجتماعية، وعلاقاتٍ خارجيةٍ، ليعود «دولة مستقلة ذات سيادة» تمنح الأمل لشعبها، وترص الصفوف لمستقبلها، وتتبصر طريقها جيداً مع عمقها الاستراتيجي العربي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان العربي وعودة الدولة لبنان العربي وعودة الدولة



GMT 11:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 11:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 11:07 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 11:06 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 11:05 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 11:03 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نسخة جديدة من مفتاح العالم

GMT 11:02 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 11:00 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

مصر وجنوب إفريقيا وأمطار المغرب

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 18:07 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
  مصر اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 08:40 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الخمس 29 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:53 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 02:48 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة حنان مطاوع تشارك في " نصيبي وقسمتك" الجزء الثاني

GMT 21:48 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

تعرف على أكثر 8 أماكن اتساخا في المنزل

GMT 06:33 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

الإعلامي محمد الباز يرد على أكاذيب دعاء خليفة

GMT 11:32 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

شاكيرا تلغي حفلتها في فرنسا بسبب أزمة صحية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt