توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التغيير الشامل للتعليم

  مصر اليوم -

التغيير الشامل للتعليم

بقلم - عبد الرحمن الراشد

راجعت بعض مناقشات مؤتمر ومعرض التعليم الدولي في الرياض، الذي يعكس اهتمام المسؤولين عن هذا القطاع، والبحث عن سبل لتطويره.
وأعود للحديث عنه لأنَّ تطوير التعليم يبقى التحدي الحقيقي لأي تقدم، في كل المجالات المدنية والعسكرية، وبوليصة التأمين لمستقبل أي أمة.
نحن أمام إرث قديم وعميق، تراكم عبر السنين وأصبحَ لا يناسب عصر اليوم، ولا يخدم أهداف دولة لديها مشروع طموح مثل رؤية 2030. ولا يزال التعليم بنظامه القديم مشكلة دول المنطقة، التي مهما راكمت من مداخيل سيادية، تعاني من فجوة بينها وبين العالم المتقدم صناعياً.
وسبق أن طرحتُ موضوعَ التفكير خارج الصندوق، وتجربة الانتقال إلى التركيز على تعليم العلوم الدقيقة في الولايات المتحدة، لأنَّه موضوع يستحق مزيداً من النقاش والمحاضرات والمؤتمرات، الحقيقة يستحقُّ البحث في التغيير الكامل. وأعتقد أن مخططي التعليم والمسؤولين عنه أنفسهم، يعلمون اليوم أنَّه لم يعد كافياً تحسين المناهج، وإدخال المعامل ضمن التدريس، وتحديث المباني، وتمويل الجامعات والمعاهد، والاكتفاء بالحلول الجزئية. نحن في حاجة إلى اختصار خمسين سنة للَّحاق بالعالم، والشروع في تخريج أجيال متخصصة في العلوم والتقنية المتقدمة، وإن كان ذلك على حساب مجالات أخرى.
هنا، نتطلع منهم إلى رسم برنامج تعليمي لعشرين سنة يحدث ثورة كبيرة، يتجاوز التعليم التقليدي ومتطلباته. لتحقيق ذلك تحتاج إلى اعتبار العشرين سنة المقبلة «حالة طوارئ» تسمح بالخروج عن الخط التقليدي وتبرر المغامرة.
هل يمكن تكثيف التعليم العلمي في المراحل المبكرة جداً؟ هل يمكن تبكير تأهيل طلاب الثانوية لتخصصاتهم الجامعية، يجعلهم حين يلتحقون بالجامعة مميزين لا يقلون تفوقاً عن زملائهم في أكثر الجامعات تفوقاً؟ فالذي يميز الجامعات المتفوقة أنَّها لا تقبل إلا الطلاب المتفوقين، وليس فقط جودة الأساتذة والمناهج. وهذا يعني التركيز في التعليم العام والتبكير في توجيه الطلاب نحو تخصصات محددة قبل دخول الثانوية، وتصبح الثانويات مراحلَ تهيئهم لتخصصاتهم المحددة العلمية أو الطبية وغيرها. لن يكون هناك طلابٌ متفوقون في كل شيء مع تضخم العلوم وتفرعها. في المملكة العربية السعودية أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة في المراحل التعليمية المختلفة في 27 ألفَ مدرسة، وأكثر من أربعين جامعة حكومية وخاصة، يمكن دفعهم نحو التخصص المبكر.
هل يمكن اختصار بقية المناهج الأقل حاجة ورميها من النوافذ؟ هل يمكن تغيير مسارات الجامعات وتخصيصها لتعليم موضوعات محددة؟ هل يمكن إعادة رسم وظائف الجامعات وتخصيصها كلها لعلوم تركز عليها، التقنية والهندسة المتطورة؟ تخصصات علم البيانات، كليات مخصصة لدراسات الذكاء الصناعي، وكلية للعلوم السيبرانية، وأخرى للهندسة التقنية الذاتية (الدرونز والسيارات والروبوتات)؟ وكليات لتقنية الطب، والهندسة الحيوية والجينومية، والهندسة الصناعية، وتقنيات الزراعة. كليات لتقنية الصناعات العسكرية، كليات لعلوم الفضاء، كليات هندسة للاتصالات المتقدمة، وغيرها. جميعها تتطلب تأهيلَ طلاب لها في الثانوية قبل وصولهم إلى المرحلة الجامعية.
لن تكون رحلة الانتقال إلى التركيز والتخصصات سهلةً، بل صعبة ومكلفة، مع ندرة كفاءات المعلمين والإداريين، إنما هذه فترة حجر تعليمي استثنائية تنقل المجتمع إلى مرحلة أخرى.
أخشى أن الاكتفاء بالتشذيب والتهذيب والقبول بالتغيير البطيء لن يكفي لسببين، أن المتوقع من مخرجات سلك التعليم سيظل لزمن طويل لا يفي بتوقعات سوق العمل ومشروع التطوير. والثاني، أنَّ العالم، وليست الدولة فقط، يتقدم بسرعة عالية جداً لا تواكبها هذه الحركة فتزداد المسافة ابتعاداً، وتصبح التكلفة علينا أكثر جهداً ومالاً، عدا عن فوات الفرص. نحن لا نعاني من مشكلة طارئة في التعليم، بل هي حالة مزمنة وليدة خمسة عقود متراكمة تتطلب إدخال التعليم كله في العناية المركزة. كانت هناك مساعٍ للخروج من الوضع المحلي الصعب، مثل عمليات الابتعاث الطويلة، وأرسل فيها مئات الآلاف من الطلاب للدراسة الجامعية، لكنها عجزت عن سد الفجوة وتحقيق القفزة. السبب لأنَّ المبتعثين هم منتج التعليم المحلي الذي يعجز عن المواءمة، وتحقيق النتيجة المتقدمة المرجوة. يضاف إليهم أن الأغلبية التي اكتفت بالتعليم محلياً، لا تحقق المتوقع منها في سوق العمل.
وفوق هذا، يوجد اليوم عاملٌ أكثر تطلباً، «الرؤية» باستراتيجيتها وبرامجها التي ضاعفت توقعاتها ومتطلباتها التنافسية، أكبر بكثير مما تطرحه المؤسسات التعليمية الخاصة والحكومية. التعليم الثانوي والتعليم الجامعي العام لن يخرجا مؤهلين للسوق الجديدة، ولا أعرف إن كانت هناك سبل أخرى غير التخصص المبكر والتعليم المكثف يمكن أن تحقق النتائج المطلوبة، أم لا.
هذا التوجه لن يلغيَ الجودة ولا القدرة على تخريج طلاب مميزين في المجالات الأخرى، إذا تمَّت أيضاً معاملتهم بالاستراتيجية نفسها، التخصص المبكر والتكثيف لجميع ملايين الطلاب والطالبات، وليس لنسبة محدودة منهم. وهذا يشمل، أيضاً، التخصصات غير العلمية، القانونية والسياسية، والاقتصاد، واللغات، والأدب، وعلم النفس، والتاريخ، والإعلام، والفنون، وغيرها. بتقليص عددهم وتبكير تعليمهم، أفترض أنهم سيكونون أفضلَ وأكثرَ تفوقاً ممن سبقهم، حيث كانوا يتخصصون في هذه المجالات بشكل عام من دون تركيز وتعليم مبكر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التغيير الشامل للتعليم التغيير الشامل للتعليم



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt