توقيت القاهرة المحلي 08:35:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

  مصر اليوم -

المثقف والسلطة أو مثقف السلطة

دلال قنديل كاتبة وإعلامية لبنانية مقيمة في إيطاليا
بقلم : دلال قنديل *

معادلتان تتأرجحان منذ زمن بين رموز ثقافية إختارت الوقوف على باب السلطان، بمقابل أخرى إستدرجت بإستقلاليتها وسّعة معرفتها تحبب السلاطين، دون منحهم الولاء .
وبينهما صنف ثالث من المثقفين، سُجن أو أُبعد أو حتى أُبيدَ كي لا يبدل حرفاً من نتاجه.
وفيما تشهد بلادنا إنهيار منظومات حاكمة ، وتحَلُل سلطات، وإندثار عقد إجتماعي بكل مؤسسساته ومقوماته نسأل عن دور المثقف ،عن
صوته المكتوم؟.
شَرَهُ السلطات على تنوعها للإستحواذ بكل ما يلمع لتزيين حضورها يُعرضها لخضات لو قرأت مسّبقاً إرتداداتها لتجنبتها.
جملةٌ واحدة نطق بها وزير الثقافة الايطالي هذا الاسبوع
في إحتفال بمدينة ميلانو إشتعلت كالنار في الهشيم ولم يخمد جمرها بعد.
قال الوزير:" إن الفيلسوف والشاعر دانتي اليغييري، كاتب "الكوميديا الالهية "  ينتمي الى التيار اليميني الايطالي لا بل هو مؤسسه".
قبل أن تسدل الستار على الإحتفال، إشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بالردود .
قال البعض" إن عظام شاعر إيطاليا الاول قد إهتزت لتلك العبارة ".
كم بدا مستهجناً تقزيم
دانتي أليغييري فيلسوف القرون الوسطى، الذي كان له أكبر الأثر على تكوين اللغة الايطالية وبنيانها الادبي 
و مسار المناهج الفلسفية، بإدخاله حلبة الصراع المحتدم في البلاد على خلفية ازمة اقتصادية خانقة بين يمين ويسار .
خرجت صحف إيطالية عدة بعناوين ساخرة على شكل أسئلة :
" هل كان دانتي يسارياً أم يمينياً؟".
إرتفعت اصوات تقول:" إن دانتي قبل اليمين واليسار،هو أب الحداثة،كاتب اولى القصائد لحبيبته بلغته الأم دون اللاتينية التي كانت معتمدة في زمانه."
جملة الوزير اليميني أحيت تاريخ دانتي الحاضر اصلاً في  إيطاليا ،المشرعة على الجمال وأنشطة ثقافية لا تخبو . إبتعاده عن الكنيسة لم يكن مرتكزاً لمسألة إيمانية،فهو كان مسيحياً مؤمناً ،لكنه كان يجنح لفصل سلطة الامبراطور عن سلطة الكنيسة.
جملة كهذه، كانت كفيلة بنبش تاريخ فكري لفيلسوف نفي من وطنه ولم يرضخ لسلطة الكنيسة ونفوذها.
وكانت مجموعة سياسية من مجموعة "الغويلف" التي تعادي دانتي بعد السيطرة على فلورنسا عام 1301نفته
وحكمت عليه بالموت.
أنعشت الردود الذاكرة المنسية لتَخَفي دانتي بعيداً عن بلاده وفي رحلة النفي شكوك عن قضائه عامين من عمره في باريس .
دافع دانتي كمثقف بالنفي عن فكرته وتوفي في رافينا ودفن بها.
وبعد وفاته أدركت حكومة فلورنسا أنها أخطأت في حقه خطأ فادحاً، وحاولت تدارك هذا الخطأ بطبع أعماله، ودعوة ابنه وبعض الأساتذة المتخصصين في الأدب إلى إلقاء المحاضرات عنه، ومنهم جيوفاني بوكاتشو 1303- 1375 الذي يعد أكبر الدارسين للشعر اللاتيني، وقد جمعت نصوص محاضراته في كتاب "حياة دانتي".
وظلت الحكومات المتتالية تحاول جاهدة نقل رفات دانتي من مدينة رافينا إلى فلورنسا، ولما فشلت مساعيها أقامت له  قبرا تذكاريا في كنيسة الصليب المقدس، يعلوه تمثال لدانتي، توج رأسه بأكليل الغار، مثلما حدث للعَالِم الإيطالي جاليليو (1564- 1642) الذي تعرض في حياته على نحو ماتعرض دانتي.
في" المطهر" أي الجزء الثالث والأخير من الكوميديا الإلهية يقول دانتي في القصيدة السادسة عشرة "إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً فابحثوا عن السبب في أنفسكم".
مقولته أعادتني الى جملة رد بها الرئيس سليم الحص على سؤالي مرةً: " متى تصطلح مؤسساتنا؟."قال: " عندما نصطلح نحن".   أليس حرياً بنا نحن أبناء الاوطان المتلاشية خلف إنهياراتها أن نهتدي بمقولة دانتي ونبحث عن السبب في انفسنا؟.

* دلال قنديل كاتبة وإعلامية لبنانية مقيمة في إيطاليا

قـد يهمك أيضأ :

عيسى مخلوف في ضفافه الأُخرى: سيرة الذات والآخر

الفن الخالد محاكاة لفكرة العبورو“إنكار الموت” كتاب يلامس اسئلة الكينونة

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقف والسلطة أو مثقف السلطة المثقف والسلطة أو مثقف السلطة



GMT 06:54 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

فى المشمش!

GMT 06:51 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الأصدقاء وذكريات لا تعنيهم

GMT 06:48 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

كهفُ الفيلسوف.. وحبلُ الفيل

GMT 06:42 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

قمة البحرين

GMT 02:50 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مهرجان «كان»... الصعود على السجادة

الفساتين الطويلة اختيار مي عمر منذ بداية فصل الربيع وصولًا إلى الصيف

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:57 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

فنانة لبنانية أنهكها العمر ولم تعد تستطيع الحراك

GMT 05:22 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

سان جيرمان يُغري أنطونيو كونتي براتب ضخم

GMT 05:34 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

كايا جيربر تخطف الأنظار بإطلالة من "شانيل"

GMT 11:10 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

لورا ويتمور تجذب الأنظار إلى إطلالاتها السوداء

GMT 09:40 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تعرفي على كيفيّة العناية بالشعر القصير لينمو بكثافة

GMT 22:12 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

الإنتاج الحربي يتخطى دجلة بهدفين دون رد فريق

GMT 17:30 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

لوكاكو يتطلع لتوقيع عقد رعاية مع إحدى الشركات الرياضية

GMT 22:34 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجمة مسرح مصر ويزو تحتفل بزفافها في التجمع الخامس الإثنين

GMT 08:47 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

ماركو رويس يكشف عن طموح ألمانيا في يورو 2016
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon