توقيت القاهرة المحلي 09:16:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سلام الأوهام مجددًا!

  مصر اليوم -

سلام الأوهام مجددًا

بقلم - عبد الله السناوي

 

كأننا أمام دولة من العالم الثالث تقهر وتقمع شبابها.. لا قوة عظمى بنت صورتها على حريات التعبير واستقلال الجامعات.
شاهد العالم كله عبر الشاشات فض الاحتجاجات الطلابية بالقوة الأمنية الغليظة لإجهاض أوسع تضامن سياسى وإنسانى مع غزة ضد حرب الإبادة، التى تعانى ويلاتها.
ليس ممكنا ولا متاحا لأية دولة مصادرة المستقبل ونزع الشعور بالغضب من صدور شبابها بادعاءات غير صحيحة بأنها «معادية للسامية»، أو «مخالفة للقانون»!.. كما حاول أن يسوغ الرئيس الأمريكى «جو بايدن» ما جرى.
دافع عن حق التظاهر وإبداء الرأى ونفاه باللحظة ذاتها حينما اتهم الاحتجاجات بما لم يكن فيها.
لا يريد خسارة أصوات الشباب والطلاب، الذين شاركوا فى انتفاضة غزة بالجامعات الأمريكية، ولا الجاليات العربية والإسلامية، وفى نفس الوقت ألا يستنزف رصيده من الأصوات الموالية لإسرائيل.
بدت مقاربته «مهمة مستحيلة»، لكنه لن يتوقف عن محاولة التوصل إلى حل ما لمعضلته باسم البحث عن السلام فى الشرق الأوسط.
أخطر ما يعترضه فى بحثه عن سلام ما أن قدرته على المبادرة مرتهنة بما يوافق، أو لا يوافق، عليه رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتانياهو» المتهم الأول فى جرائم الإبادة الجماعية.
بتوصيف السيناتور اليسارى اليهودى «بيرنى ساندرز»: «إنه شيك على بياض».
أحد المخارج من ذلك المأزق إلقاء كامل المسئولية على «حماس» وإعفاء اليمين الإسرائيلى المتطرف من أية مسئولية، كأنه قوة سلام لا يجد شريكا فلسطينيا!
كان مستلفتا فى جولة وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» الأخيرة بالمنطقة إلحاحه على هذه الفرضية غير المتماسكة وغير المقنعة، كما لو أن هناك عرضا سخيا فعلا لوقف إطلاق النار لا يصح لـ«حماس» أن تتردد فى قبوله كـ«فرصة أخيرة».
كان ذلك نوعا من الضغط الدبلوماسى رادف الضغط العسكرى بتلويح «نتانياهو» المتكرر، اقتحام رفح وتوسيع نطاق المواجهات فى الجنوب اللبنانى.
النقطة المفصلية فى المفاوضات والمساجلات الحالية: وقف نار مستدام.. أم هدنة مؤقتة تعود بعدها إسرائيل لتواصل الحرب بذريعة أو أخرى بعد أن تكون المقاومة قد خسرت ورقة الرهائن والأسرى، أقوى ما تمتلكه من أوراق تفاوض.
إدارة «بايدن» تنتظر، كما هو معلن رسميا، صفقة الأسرى والرهائن للبدء فى خطته للسلام فى الشرق الأوسط.
البند الأول فى تلك الخطة أحكام الحصار على إيران وبناء تحالف إقليمى أمنى واستراتيجى يضم إسرائيل يسبقه مباشرة التطبيع مع السعودية، التى تشترط قبل الإقدام على هذه الخطوة أن تتبدى ملامح تسوية للقضية الفلسطينية.
هذا جانب من الخطة يرحب به «نتنياهو» دون أن يكون مستعدا لدفع استحقاقاته، فكرة الدولة الفلسطينية مستبعدة مطلقا باعتبارها تهديدا للأمن الإسرائيلى.
كان مستلفتا فى الاحتجاجات الأمريكية الهتاف الذى يدعو لدولة فلسطينية «من البحر إلى النهر».
لم يكن ذلك تزيدا، إذا لم يكن ممكنا أن تكون هناك دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضى المحتلة منذ (1967) فإنه من الطبيعى أن يعود المتضامنون مع القضية الفلسطينية إلى ما قبل (1948).. أن فلسطين كلها محتلة.
هكذا تعقدت أية خطط سلام تنتوى عرضها إدارة «بايدن».
المواقف الأمريكية ملتبسة ومتضاربة، تدعو إلى «حل الدولتين» وتلح عليه دون أن يكون لديها استعداد جدى لإدانة الموقف الإسرائيلى، الذى يناهضه من حيث المبدأ.
وصل التضارب ذروته باستخدام حق النقض فى مجلس الأمن لإجهاض مشروع قرار بترفيع عضوية فلسطين فى المنظمة الدولية بذريعة أنه قد يعرقل المفاوضات الجارية الآن للتوصل إلى وقف إطلاق نار فى غزة!
لا تؤسس مثل هذه المواقف لخطة سلام ترتكز، كما هو معروف ومعلن، على بناء دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة «منزوعة السلاح»، تتوافر فيها مؤسسات وقدرات أمنية ذات مصداقية وتكون فى الوقت نفسه مصممة وفق الاشتراطات الأمنية الإسرائيلية.
الكلام نفسه تردد صداه فى التصورات الأمريكية لـ«اليوم التالى» بالدعوة إلى سلطة فلسطينية متجددة بذات الحسابات التى حكمت اتفاقية «أوسلو».
إنها عودة إلى «سلام الأوهام»، أو جوهر الخلل الذى أفضى لما وصلت إليه القضية الفلسطينية الآن.
بأى نظر موضوعى فإن خطة «بايدن» أكثر اعتدالا من خطة منافسه اللدود الرئيس السابق «دونالد ترامب»، لكنها تمضى فى الأوهام نفسها التى أجهضت بإجماع فلسطينى نادر.
تناهض خطة «بايدن» المستوطنات، لا تعترف بشرعيتها القانونية، لكنها لا تدعو لتفكيكها! عكس خطة «ترامب» التى دعت دون مواربة إلى ضم المستوطنات للدولة العبرية.
الخطتان تدعوان لنزع سلاح «حماس» وأن تكون الدولة الفلسطينية المفترضة «منزوعة السلاح» على أن تكون إسرائيل دولة للشعب اليهودى وهو ما قد يعنى إقرارا مسبقا بالترحيل الجماعى للفلسطينيين من أراضى (1948).
والخطتان تعملان حسب المعلن على تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين مقابل التخلى عن قضيتهم كقضية تحرر وطني.
إنها سلام الأوهام مجددا فى أجواء الحرب على غزة وحجم التضحيات التى بذلت ليرفع الفلسطينيون رأسهم ويعيدوا إحياء قضيتهم من جديد.
نقطة البدء المفترضة لتنفيذ خطة «بايدن» للسلام ملغمة وكاشفة فى الوقت نفسه.
لا تبادل أسرى ورهائن دون وقف مستدام لإطلاق النار.
هذا مؤشر جدى على ما سوف يحدث تاليا من ترتيبات وحسابات وأوزان على الأرض.
يصعب على «حماس»، أيا كانت الضغوط عليها، أن تتقبل وقفا مؤقتا لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن والأسرى وإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع المحاصر.
ويصعب على «نتنياهو» وقفا مستداما لإطلاق النار، يعتبره اعترافا بالهزيمة فى الحرب على غزة تعرضه للمساءلة عن مسئوليته عما جرى فى السابع من أكتوبر (2023).
قال صريحا وواضحا إنه «سوف يقتحم رفح باتفاق أو بغير اتفاق».
من المستلفت هنا أن المصالح السياسية غلبت المصالح الاستراتيجية، كأنه بات عبئا على إسرائيل ومستقبلها كما باتت تتهمه الأجهزة الأمنية نفسها على ما تقول الصحف العبرية.
الخطط المرتبكة لا تؤسس لسلام، إلا أن يكون أوهاما فى فراغ السياسات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلام الأوهام مجددًا سلام الأوهام مجددًا



GMT 02:45 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

القصور تكتظ بهنَّ

GMT 02:41 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

طمأنينة الحج وفسوق السياسة

GMT 02:37 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

أحلام كسرى وفلتات الوعي

GMT 02:33 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

مأساة السودان وثقافة إنكار النزاع الأهلي

الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:42 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

مصر تمارس ضغوطًا للوصول إلى اتفاق هدنة في ⁧ غزة
  مصر اليوم - مصر تمارس ضغوطًا للوصول إلى اتفاق هدنة في ⁧ غزة

GMT 21:14 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

الفنانة مي فخري تعلن ارتدائها الحجاب بشكل رسمي

GMT 09:50 2020 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

معلومات مهمة عن عداد الكهرباء مسبوق الدفع

GMT 09:34 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

"دويتشه بنك" يتوقع حلول "عصر الفوضى"

GMT 14:16 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 13:50 2020 السبت ,04 إبريل / نيسان

إصابة نجل جوليا بطرس بفيروس كورونا في لندن

GMT 08:12 2020 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعود من دبي من أجل "البرنس"

GMT 21:16 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أول تعليق لـ"منى فاروق" على شائعة انتحارها

GMT 05:24 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

600 مليون دولار حجم الاستثمارات الأردنية في مصر

GMT 02:05 2019 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أب يذبح ابنته الصغرى لضبطها في أحضان عشيقها داخل غرفتها

GMT 21:35 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

السيطرة علي حريق بقرية الشنطور فى بني سويف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon