توقيت القاهرة المحلي 16:27:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المسكوت عنه فى حادث القديسين!

  مصر اليوم -

المسكوت عنه فى حادث القديسين

بقلم :عبد الله السناوي

فى زحمة الحوادث العاصفة والتحولات والانقلابات السياسية المتسارعة التى مرت على مصر عام (2011) طويت بقوة الأمر الواقع صفحة حادث «كنيسة القديسين» المروع، لا استكمل تحقيق جنائى ولا استبانت حقائق سياسية.
كان الحادث الإرهابى، الذى جرت وقائعه الدموية بعد عشرين دقيقة من بداية ذلك العام الفارق، إنذارا مدويا بما سوف يأتى بعده من تداعيات وعواصف، إلا أن النظام الذى ضربته الشيخوخة السياسية عجز عن أية قراءة، أو توقع.
بأثر التفجير الانتحارى بسيارة مفخخة أمام «كنيسة القديسين» بالإسكندرية سقط عشرات القتلى والجرحى وروع المصريون فى كل مكان فيما كانوا يبدأون للتو الاحتفال برأس السنة الجديدة.
حاولت مجموعات من الأقباط اقتحام مقر الكنيسة التى استهدفت بالتفجير بحثا عن ذويهم.
فى الصباح خرجت تظاهرات قبطية غير مسبوقة فى أنحاء مختلفة من العاصمة، تمركزت أمام مبنى التلفزيون المصرى «ماسبيرو» تعبيرا عما فى الصدور من غضب تهتف ضد نظام الحكم وتحمله كامل المسئولية.
كان ذلك تطورا جوهريا فى المشهد السياسى المأزوم صاحبه ما يقارب حالة «الشلل الرباعى» فى مركز القرار، الذى لم يكن لديه ما يقوله لشعبه سوى أن هناك أيادى أجنبية وراء الحادث، لم يقل من هى، ولا كيف يواجهها؟
غلبته المعالجة الأمنية دون أن يطل، أو يخطر بباله أن يطل على السياق السياسى، أو أن يتساءل: من أين تهب النيران؟.. وكيف وصلنا إلى استهداف الكنائس بالتفجيرات الانتحارية؟
أسست تظاهرات الشباب القبطى الغاضب لنوع من المشاركة السياسية خارج أسوار الكنيسة وبعيدا عن وصايتها التقليدية.
انطوى ذلك التطور على رسالتين متناقضتين.. أولاهما ــ تنذر بانقسام طائفى حاد يطلق عليه تقليديا وصف «الفتن» مرشح للتفاقم فيما الأطر السياسية عاجزة عن أى احتواء، أو حوار داخل الجماعة الوطنية المصرية وفق حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون.. وثانيتهما ــ تؤشر إلى استعداد وتأهب فى الأجيال الجديدة إذا ما توافرت البيئة المناسبة للاندماج الواسع فى الحياة السياسية دون وساطة أو أبوية من أجيال سابقة أو مؤسسات روحية.
لم يكن نظام مبارك بوارد التفكير فى بناء دولة قانون ومواطنة، أو الاستماع إلى أحلام الأجيال الجديدة كما أنين الشارع الموجوع بأزماته الاقتصادية المتفاقمة.
المكان نفسه أمام «ماسبيرو» تحول أثناء أحداث ثورة «يناير» إلى ساحة احتجاجات قبطية وشهد وقائع دامية.
بتوقيت تفجيرات «كنيسة القديسين» كانت الاحتجاجات التونسية تلهم فكرة التغيير الديمقراطى، فيما كان النظام المصرى يستخف بها مرددا: «مصر ليست تونس!».
اختنقت البيئة العامة سياسيا واجتماعيا إلى حدود لم يعد ممكنا معها أن تعبر حركة المجتمع عن نفسها بحرية، أو أن ترى أملا فى إصلاح النظام من داخله.
لم يكن مستغربا، والأمر كذلك، أن تتجاوز طاقة الغضب المعلنة والكامنة فى بنية المجتمع الدلالات المباشرة لحادث كنيسة القديسين إلى طلب بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، المطلب الرئيسى فى (25) يناير (2011).
فى سنوات «مبارك» الأخيرة زادت تحركات بعض أقباط المهجر لاستغلال الضعف الظاهر للنظام، طرحوا مطالب طائفية كالمحاصصة فى مواقع الدولة التنفيذية والتشريعية بنسبة (15%)، التى دعا إليها مؤتمر فى زيوريخ بقيادة «عدلى أبادير».
فى أجواء ذلك المؤتمر أعلن «أبادير» نيته الترشح لرئاسة الجمهورية!
الإعلان وصفه البابا «شنودة» بأنه نكتة.
فى ذلك الوقت ارتفعت أصوات من داخل الصف الوطنى القبطى تحذر من انفلات طائفى قد يصل إلى حرق كنائس، أو صدامات سلاح، غير أنها ذهبت أدراج الرياح.
كان هناك من هو مستعد أن يتلاعب بملفات حرائق الفتنة بظن أن ذلك يصرف الانتباه عن قضايا أخرى.
وكان ذلك لعبًا بالنار فى بلد كل شىء فيه قابل للاحتراق.
لم يكن ما حدث لـ«كنيسة القديسين» مسألة أمنية محضة، فالمسئولية السياسية حاضرة بالملف الدامى.
فى الأيام الأولى لثورة «يناير» خفتت أجواء الاحتقانات الطائفية إلى حدود بعيدة.
كانت تلك مفاجأة كاملة.
ألهمت بعض مشاهد ميدان التحرير فكرة «الوحدة الوطنية» مجددا على أفضل صيغة ممكنة، وبأفضل من كل العبارات الإنشائية الاعتيادية حين صلى المسلمون بحماية الأقباط خشية أية غارات على الميدان.
كان ذلك مشهدا فريدا قوض أى أجواء تعصب.
بصياغة الكاتب الكبير الراحل «أحمد بهاء الدين» فإن «التعصب هو المادة الخام لكل فتنة»، وله ميكانيكية ثابتة عبر كل العصور وكل المجتمعات، فالأزمة الاقتصادية وضيق الرزق وتوتر الحياة من أسبابه».. كما أن «الإحباط إزاء عدو خارجى مثلًا، أو العجز عن مواجهة تحديات خارجية، يجعل الناس فى عجزهم ينكفئون على صراعات داخلية لم تكن موجودة من قبل».
فى الأيام الأولى من ثورة «يناير» تبدت فسحة أمل لا سقف لها حلمت ببناء نظام ديمقراطى يوفر العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ويخفض بالضرورة منسوب الاحتقان الطائفى.
لم يكن أحد مستعدا أن يستبدل عدو الخارج بأعداء من الداخل، أو أن يجارى لغة الفتن الطائفية بأية ذريعة، غير أن جماعة «الإخوان المسلمين» ومن حالفها لعبت بالورقة الطائفية فى استفتاء مارس من ذلك العام على تعديل بعض مواد الدستور لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالدين!
الأسوأ أن بعض من تصدروا المشهد الطائفى المستجد ينتمون إلى «تنظيم القاعدة» المتهم الأول بتفجيرات «كنيسة القديسين».
فيما هو مسكوت عنه عادوا إلى مصر فى ظروف أحيط بها كتمان مشدد، ألغيت أحكام قضائية عن جرائم ثابتة ارتكبت، لم يجر استبيان حتى الآن عن حقائق ما جرى وخلفياته، من قرر ومن ضغط؟، غير أن الأثمان كانت باهظة.
لم ينشأ حادث «كنيسة القديسين» من فراغ، ولا كان معزولا عن البيئة الاجتماعية والسياسية المحتقنة.
التاريخ لا يعرف فراغ المسئولية، ولا نفى التراكم.
بعد أحد عشر عاما على حادث «كنيسة القديسين» لا يصح أن يمتد الصمت فى الزمن إلى ما لا نهاية عن حقيقة ما جرى دون أن نتعلم شيئا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسكوت عنه فى حادث القديسين المسكوت عنه فى حادث القديسين



GMT 06:36 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

الهوس بالمرأة

GMT 06:30 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

لطمة كبرى!

GMT 06:28 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

فلتبدأ الوزيرة فؤاد

GMT 06:25 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

نبوءةُ الرجل المثقف!

سلمى أبو ضيف تطل كالعروس على السجادة الحمراء في "كان"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 14:59 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

نصائح لتزيين المنزل بالنباتات الصناعية
  مصر اليوم - نصائح لتزيين المنزل بالنباتات الصناعية
  مصر اليوم - أول تعليق من حماس على إعلان فلسطين دولة مستقلة

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

وقت ممارسة الرياضة مهم لفقدان الوزن
  مصر اليوم - وقت ممارسة الرياضة مهم لفقدان الوزن

GMT 06:15 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

نيكي هايلي تخرج عن صمتها وتعطي صوتها لترامب
  مصر اليوم - نيكي هايلي تخرج عن صمتها وتعطي صوتها لترامب

GMT 06:44 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

أفضل 10 وجهات سياحية دافئة للشتاء

GMT 02:42 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

جدول ترتيب الدوري الإيطالي عقب فوز ميلان على تورينو

GMT 23:03 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عائلة مشجع الزمالك تناشد مرتضى منصور لمساعدته

GMT 01:01 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اغسلي المفارش الهندي بالطريقة الصحيحة

GMT 21:30 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عاشور يؤدي جلسة في الجيم ومروان يواصل التأهيل في مران الأهلي

GMT 19:45 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

طائرة الأهلي تحقق الفوز ال83 على التوالي

GMT 14:15 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

هرتا برلين يُنهي تعاقده مع مدربه نهاية الموسم

GMT 23:57 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

تدشين مشروع لاكتشاف المواهب في الملاعب المصرية

GMT 09:23 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

طريقة إعداد وتحضير ماكرون فرنسي ملون
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon