توقيت القاهرة المحلي 11:56:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اشتقنا إلى تغريدك يا «عصفور»

  مصر اليوم -

اشتقنا إلى تغريدك يا «عصفور»

بقلم :خالد منتصر

ألف سلامة.. أستاذنا د. جابر عصفور، المحارب العنيد للتخلف والجهل، والذى كان يرفض حصار الفكر، يرقد الآن محاصراً بأجهزة التنفس الصناعى وهو الذى منح الحياة الثقافية الكثير من أوكسجين التنوير وقت أن كان أستاذاً فى كلية الآداب، ثم رئيساً للمركز القومى للترجمة، ثم وزيراً للثقافة فى أصعب الأوقات التى مرت على مصر، أتمنى لك أيها المقاتل أن تستعيد سيفك ودرعك وحيويتك وتعود إلينا لنتجادل معك ونشاغبك كما كنا، أُهدى إليك هذا المقال الذى كتبته عن أحد كتبك التى علمتنى الكثير:

«الحديث عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة»! بيت شهير للشاعر والكاتب المسرحى الألمانى بريخت، أتذكره كلما قرأت لمبدع قرر أن يهجر إبداعه الفنى مؤقتاً ليكتب عن أوجاع الوطن بطريقة المقال المباشر.. تذكرته عندما رد يوسف إدريس قبل وفاته على سؤال لماذا هجر كتابة القصة القصيرة، قائلاً ما معناه: عندما أرى النار تقتحم الدار وتمسك بطرف جلبابى لا ينفع معها أن أعزف على الجيتار! وتذكرته أيضاً وأنا أقرأ للناقد الكبير جابر عصفور مقالاته فى جريدتى «الأهرام» و«الحياة» ومجلة «العربى»، فهو يرى أن دوره كناقد أدبى الآن من الممكن أن يبدع فيه الأصدقاء والتلاميذ، ولكن دوره فى محاربة التخلف والتعصب الدينى هو دور أساسى وقضية حياة أو موت لا بد أن يتصدى لها، إما أن يعيش الوطن صحيح العقل وإما أن يموت بإسفكسيا الجهل والتعصب. كتاب د. جابر عصفور «نقد ثقافة التخلف» خير دليل على هذا الكلام، فهو مرافعة بديعة من خمسمائة صفحة ضد ثقافة التخلف التى بدأت تنخر فى نخاع الوطن. ومن يقرأ الكتاب يستطع الحصول على سيناريو تفصيلى وأجندة تقريرية عن حال تدهور العقل المصرى والردة الحضارية التى تمكنت من افتراس روحه، فقتلت فيها البهجة والتمرد والإبداع، وغيّرت سلوكياته فطبعتها بالطابع المظهرى الشكلى، الذى يهتم بالطقوس على حساب الضمير والجوهر، فهو يواصل فى بداية كتابه دفاعه عن المرأة، الذى بدأه فى كتب سابقة ضد تيار التخلف وغربان الظلام الذين يرتعشون من دخولها معترك الحياة لدرجة أنهم طالبوا بمنعها من تعلم الكتابة حتى تظل أسيرة من سبايا سى السيد المتغطرس، ويكتب عن مرض الهوس بالماضى، الذى تلبّس عقول أنصار الاتباع ومحاربى الإبداع وأصحاب شعار «كل بدعة ضلالة»! هؤلاء الذين يحنطون الزمن، ويعتبرون كل ما هو حديث خروجاً وفسقاً، وكل ما هو ماضٍ صحيحاً ونموذجاً لا بد أن يُحتذى، فالغد هو دائماً أكثر شراً من اليوم. يمضى د. جابر عصفور فى كتابه «نقد ثقافة التخلف» فى سبر أغوار مرض العقل المصرى والتنقيب عن طبقات التخلف والتقهقر الفكرى والشلل الإبداعى فى وادى مصر، الذى تصحّر بسبب عواصف الخماسين الآتية من الشرق الوهابى! يكتب عن أسباب العداء للآخر التى جعلت العالم ينظر إلينا بتوجس، مما جعلنا صداع العالم وورمه الخبيث.. هذا العداء الذى قسم الأمة إلى نصفين متضادين، وشق العالم قطبين متنافرين، وكتب عن خطاب العنف انطلاقاً من هذا العداء للآخر، وربط بين عنف القنبلة والحزام الناسف وعنف اللغة. تحتل حرية التعبير فى كتاب د. عصفور معظم الكتاب، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، فهو لا يكل ولا يمل من المطالبة بهذه الحرية ويعتبرها مفتاح النجاح والحل، وهى حرية تفرز نفسها وتصلح أخطاءها بمزيد من الحرية، وانطلاقاً من هذا المانيفستو الحر يهاجم فوبيا الفن التى سكنت عقولنا، فيناقش رقابة فيلم آلام المسيح التى وصل صداها لمجلس الشعب الذى حاكمه دينياً بدلاً من مناقشته فنياً، ويهاجم أيضاً هذه المسطرة الأخلاقية المتزمتة التى قاست فيلم «بحب السيما» وفرضت رؤيتها على الجمهور. لم يختلف د. جابر عصفور فقط مع التيارات الدينية المتزمتة، بل اختلف أيضاً مع فضيلة المفتى حين أصدر فتوى تحريم التماثيل، وهنا تكمن أهمية الكتاب، فهو ينطلق من تفاصيل الخاص إلى رؤية وفلسفة العام، فهو يهاجم فكر تقديس الماضى، سواء فى مؤسسة دينية رسمية أو غير رسمية. كتاب «نقد ثقافة التخلف» كتاب لا يضع إجابات بقدر ما يطرح أسئلة، وهذه هى مهمة المفكر والناقد الحقيقى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اشتقنا إلى تغريدك يا «عصفور» اشتقنا إلى تغريدك يا «عصفور»



GMT 01:14 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

صفعة عمرو والدرع الواقي

GMT 01:00 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب غزة إلى أين؟

GMT 00:57 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

إسرائيل: «تجسد الوهم»

GMT 23:57 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

وأين القراءة؟!

GMT 23:55 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

المصرى اليوم

نانسي عجرم بإطلالة رقيقة في حفل لـ "Tiffany and co"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:15 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

محمد إمام يتعاقد على مسلسل لـ رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد إمام يتعاقد على مسلسل لـ رمضان 2025

GMT 16:18 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

سوار الحاج الذكي تقنية فريدة لتحسين رحلة الحج
  مصر اليوم - سوار الحاج الذكي تقنية فريدة لتحسين رحلة الحج

GMT 02:20 2020 الأربعاء ,24 حزيران / يونيو

تعرف على قصة الفتاة صاحبة "استغاثة الفيسبوك"

GMT 05:06 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان حكيم يكشف أنّه لا يمانع دخول ابنه مجال التمثيل

GMT 09:21 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوي وكورتني كارداشيان في فستانين أنيقين

GMT 19:02 2017 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

مباحث الآداب تفحص ٥٥ شقة مفروشة في الغردقة

GMT 15:32 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

قشر البيض أهم مصادر معادن الكالسيوم والفسفور والزنك

GMT 00:02 2015 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

كيف يكون شكل الجنين في الشهر التاسع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon