توقيت القاهرة المحلي 23:55:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمينة رشيد

  مصر اليوم -

أمينة رشيد

بقلم :خالد منتصر

إذا لخصت الراحلة د. أمينة رشيد فى كلمة فإنها «الصدق».. الصدق مع النفس ومع الآخرين، صوتها من دماغها لا من مصالحها، قرارات الحياة تخضع لبوصلة الإحساس دون حسابات الربح والخسارة، حفيدة الأرستقراطية، وبنت الذوات، وسليلة الأعيان، الجد هو إسماعيل صدقى باشا، تتكلم اللغة العربية بصعوبة، وبالرغم من كل هذه الموانع والسدود التى تحول بينها وبين من هم وراء الأسوار، أسوار العزبة والعزلة والقصر، وحواجز اللغة والمدرسة والتعليم، قررت أن تزهد فى كل هذا الهيلمان والجاه، وتبقى مع الفلاحين والعمال، تختلط بهم بجد، لم تكن سائحة فى عالمهم تطل عليهم من برجها العاجى عبر تليسكوب، ولكنها قررت أن تنصهر معهم وتفهمهم وتساعدهم أن يتمردوا على عالمهم الضيق الضنين الظالم المظلم، انضمت للحزب الشيوعى بتأثير من ابن خالة والدتها الكاتب الكبير والمفكر السياسى الرائع محمد سيد أحمد، الذى يشبهها كثيراً فى الصدق والتجرد والزهد، تخرجت فى قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1958، ثم نالت بعثة للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون سنة 1962، وعملت بين عامى 1970 و1978 باحثة فى المركز القومى للبحث العلمى فى فرنسا، هذه المكانة الرفيعة والمستقبل الذهبى، ضحت به وركلته دون أدنى ندم، وعادت إلى مصر، دورها كأستاذ أدب مقارن فى قسم اللغة الفرنسية بآداب القاهرة كان مجرد حجر صغير فى بناء ضخم من النشاط الثقافى والفكرى والإبداعى والبحثى والترجمة، وأيضاً السياسى، الذى كانت نتيجته اعتقالها فى أحداث سبتمبر، أثناء تلك الأحداث الملتهبة وفى ظروف تلك العزلة الإجبارية وفى منفى السجن، قرر د. سيد البحراوى، ابن قسم اللغة العربية، أن يرتبط بابنة الثقافة الفرنسية ليعلمها عروض الشعر العربى وأسرار لغة الضاد المدهشة، وتأخذه هى لحديقة الأدب الفرنسى بعنفوانه وجنونه، وناره ونوره، تعرفت عليها من خلال صداقتى بسيد البحراوى، الذى كان ابن قرية «كفر نفرة»، ببركة السبع، وهى نفس القرية التى ينتمى إليها زميلى فى كلية الطب «جمال»، الذى يعمل الآن فى تخصص جراحة الأطفال بهولندا بعد حصوله على الدكتوراه من بلغاريا، وكان الوسيط الذى سهل له هذه المنحة هو «البحراوى» وعطية الصيرفى، وهو من اليساريين المخلصين الأنقياء، من خلال تلك العلاقة بين صديقى «جمال» وبين ابن قريته، توطدت صداقتى بسيد البحراوى ومن ثم علاقتى بزوجته أمينة رشيد، وزاد من عمق العلاقة أننى قضيت معظم فترة الامتياز فى مستشفى بولاق الدكرور، القريب من مساكن أساتذة جامعة القاهرة، وكان حظى رائعاً حينذاك، وأنا ما زلت أتلمس طريقى فى دروب الفكر ومتاهة النظريات وعطش الثقافة، أن قابلت من خلال «البحراوى» وتعرفت على أساتذة قسم اللغة العربية بآداب القاهرة، الذين كانوا يشكلون كتيبة تنوير رائعة وثرية وثورية ومتمردة نادرة التكرار؛ نصر حامد أبوزيد وجابر عصفور وعبدالمحسن طه بدر والبحراوى وغيرهم ممن شكلوا وجدان وعقل جيلى بشكل كبير، وكانت أمينة رشيد دائماً هى رمانة ميزان الرزانة بصوتها الهادئ ذى الإيقاع الملائكى الرخيم الذى يحاول الحفاظ على رصانة الفصحى وسط أناقة ودلال الفرنسية، كان لا ينافسه إلا صوت «البحراوى»، الذى تحس أنه منغم كالتراتيل، متصالحة مع النفس بطريقة مدهشة، شاهدتها كيف تتعامل مع والد «البحراوى»، الفلاح البسيط القادم من كفر نفرة بكل الألفة والمودة والبساطة، كانت تخفى وراء نظارتها السميكة وعينيها الضيقتين حكمة السنين ورجاحة التجربة وتأمل الفلاسفة وتسامح النساك واستغناء القديسين، كانت ملاكاً، واليوم عاد هذا الملاك لجزيرته بين نتف السحاب، حيث مطر الخير والعطاء بلا حدود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمينة رشيد أمينة رشيد



GMT 04:10 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

استغِلوا «تغطية الجنازات» لإنقاذ المهنة

GMT 04:09 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«عدّّى النهار والمغربية جايَّه»

GMT 03:57 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«مالمو 14» لا يكذب ولا يتجمل..

GMT 02:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon