توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«اللوفر» وانتهاك هيبة فرنسا

  مصر اليوم -

«اللوفر» وانتهاك هيبة فرنسا

بقلم : سوسن الأبطح

السرقة الاستعراضية الهوليوودية التي نفذت في متحف اللوفر، الواقع في أرقى منطقة باريسية على مبعدة خطوات من مركز للشرطة، وأهم المؤسسات الرسمية، خلال سبع دقائق فقط، حيث تم الاستيلاء على جواهر التاج الملكي، في وضح النهار، والزوار يجوبون القاعات، هي اغتيال لمجموعة رموز وطنية فرنسية كبرى بضربة واحدة وبسرعة البرق.

الجميع تحت الصدمة. الفرنسيون يتحدثون عن فشل الدولة، إهانة وجهت للشعب، وشعور بالذل والخذلان، بخاصة أن أحداً لم يستقل، أو يعترف بمسؤوليته. وزيرة الثقافة رشيدة داتي، تنكر وجود فشل أمني داخل متحف اللوفر، ما يثير الاستفزاز. ترى أن التقصير أتى من نقص في حماية شوارع باريس، حيث دخل السرقة من جادة على نهر السين. رأي قد يكون وجيهاً. إذ كيف للصوص متنكرين بثياب عمّال يأتون بشاحنة، ويرفعون سلماً طويلاً في الشارع على مرأى من الملأ، يتسلقونه إلى الطابق الأول من اللوفر، يقتحمون النافذة، ويخرجون بمسروقاتهم، يتنقلون في شوارع العاصمة الفرنسية بكنز وطني مسروق، ولا يوقفهم أحد. والأسوأ أنهم غابوا عن أعين الكاميرات، واختفى أثرهم. سيكون الأمر أخطر، لو أن كل ما تركوه خلفهم من معدات، بعد الانتهاء من سرقتهم، غير كافٍ للاستدلال على هويتهم في الأيام المقبلة، أو أن يتم العثور عليهم، ولم يعد في جعبتهم ما يعيدونه.

فهل وظيفة حراس اللوفر، أكبر وأشهر متحف في العالم، هي فقط منع الزوار من لمس المعروضات؟ فهؤلاء بدل مواجهة السرقة، تراجعوا أمام التهديد، وجلّ ما فعلوه أنهم طالبوا الرواد بالإخلاء العاجل. يتساءل محلل فرنسي هل كان لص تمتد يده إلى جواهر التاج البريطاني ليخرج من المتحف من دون إطلاق النار عليه؟ ما يثير قلق الفرنسيين على مستقبل أمنهم، ومن ثم أمن ممتلكاتهم الوطنية هو: الإهمال. وكما قالت النائبة كارولين بارمانتيه «هو ليس حادثاً معزولاً، وإنما خلل بنيوي... وانهيار، حيث أصبح مجمل التراث الوطني والديني الفرنسي في خطر بسبب إهمال الدولة». تقرير أخير لديوان المحاسبة كشف عن عيوب خطيرة على مستوى الأمن والسلامة، وحتى في أجهزة الحماية من الحريق. وهو ما أعاد إلى الأذهان حادثة احتراق كنيسة نوتردام الشهيرة، التي كشفت عن إهمال مشابه، ما يجعل الفرنسيين يستنتجون أن ما يحدث، لا يخضع للصدفة، بل الخوف مما سيكشف عنه المستقبل من خلل وتصدّع.

وزيرة الثقافة تتحدث وكأنها مواطنة عادية، عن استهداف تتعرض له المتاحف، ولا تخبر عن الإجراءات التي اتخذت. وكانت سرقة القرن لمتحف اللوفر، فتحت الحديث عن أربع سرقات موصوفة، تعرضت لها متاحف فرنسية في الأشهر القليلة الماضية، إحداها بأكثر من مليون يورو في متحف «أدريان دوبوشيه» في ليموج، ما يجعل القول إن حرّاس متحف اللوفر، أخذوا على حين غرّة، أمر لا يمكن الدفاع عنه.

في يونيو (حزيران) الماضي، كان موظفو اللوفر قد أضربوا احتجاجاً، بعد إلغاء أكثر من 200 وظيفة تتعلق بأمن الغرف. والشهر المقبل سيصدر تقرير عن ديوان المحاسبة، يظهر أن ثلث صالات متحف اللوفر بلا كاميرات. والمتحف الذي مداخيله تفوق مائة مليون يورو سنوياً، وتبلغ تكاليفه التشغيلية واستثماراته نصف مليار، لم يتزود سوى بـ138 كاميرا طوال السنوات الخمس الماضية. التقارير المتوالية التي تحثّ على تحسينات وإجراءات ضرورية بقيت من دون آذان صاغية. تقنيات متردية، وغالبية جناحي «سولي» و«ريشيلو»، غير مؤمّنة بكاميرات.

يحتاج متحف اللوفر الذي كان قصراً ملكياً لأكثر من قرنين من الزمن، إلى استثمارات بمئات ملايين الدولارات. في فرنسا مئات المتاحف والمؤسسات الملحقة بها. صيانة الإرث والحفاظ على التاريخ يحتاجان إلى تمويلات ضخمة، في دولة أصبح إقرار الميزانية فيها، سبباً في إسقاط حكومات متوالية، واهتزازات سياسية. وأتت حادثة سرقة اللوفر الرهيبة بتأثيرها النفسي المزلزل، فيما تستعد الحكومة الحالية لمناقشة ميزانيتها، وفي الوقت الذي يتبين فيه أن رئيساً فرنسياً للمرة الأولى في تاريخ البلاد، يدخل السجن. فقد تعامل نيكولا ساركوزي مع عدوٍ لبلاده، ولمّع صفحته، مقابل تمويل حملته الانتخابية. كما تأتي السرقة المريعة بأسلوب بوليسي مدهش، بعد أقل من سنة على إعادة افتتاح كنيسة نوتردام التي أكلتها نيران الإهمال.

ثمة رموز تتهاوى في فرنسا. رمز حصانة اللوفر العظيم بصالاته الفخمة التي تفوق الأربعمائة، وقطعه النادرة التي يحج إليها السياح من كل بقاع الأرض. رمز باريس، مدينة النور والديجور، المحمية الآمنة المستقرة. رمز فرنسا الدولة الكبرى، القادرة على صون التاريخ الإنساني وحمايته، بينما تعجز دول غوغائية فوضوية، عن حفظ تراثها، مما استحق نقل ممتلكات المستعمرات إلى متاحف أكثر أمناً. ثمة انتهاك معنوي كبير حصل لمقام فرنسا ومجدها وهيبتها، في اختراق استعراضي غادر، سيلهم مخرجي الأفلام والمسلسلات، لأنه ينطوي على دلالات كبرى عميقة، وهو ليس حدثاً عابراً أبداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«اللوفر» وانتهاك هيبة فرنسا «اللوفر» وانتهاك هيبة فرنسا



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt