توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاولة في فهم الصين!

  مصر اليوم -

محاولة في فهم الصين

بقلم :عبد المنعم سعيد

الشائع أن الصين «لغز» كبير صعب الفهم والحل، والشائع أكثر أنه طالما في الأمر أحاجي لا نفهمها فإن التعامل مع بكين يكون بوضعها في سلة أو سلال قوى دولية نعرفها في التاريخ المعاصر أو أنها كانت في الطريق القديم. بين هذا الشائع وذاك فإن قضية فهم الصين تصبح مطروحة بضجيج كبير كلما جد جديد في العلاقات الدولية، فإذا حدث وجاء رئيس أميركي جديد فإن موقفه من الصين وموقف الصين منه ربما يطلعنا على بعض من الفهم لقوة دولية جبارة. الحدث الجاري الآن ودفع الصين إلى المقدمة للبحث عن موقفها ورد فعلها يدخل في هذا الإطار الذي يشير إلى أنه لم تعد تكتمل قصة عالمية ما لم يكون واضحاً فيها أو مطلوباً من الباحثين البحث عن هذا الوضوح فهو عن الصين التي هذه المرة حدث أنها قريبة ولصيقة بالأحداث المثيرة التي جرت في أفغانستان.
يوم الأحد أغسطس (آب) الجاري سيطر مقاتلو طالبان على كابل، وسلموا الجماعة الإسلامية الجائزة التي طالما سعت إليها: السلطة على كل أفغانستان مع انهيار الحكومة المدعومة من أميركا، وفر الرئيس أشرف غني، وبدا الوجود الأميركي كأنه يقترب من نهاية مفاجئة وفوضوية بعد ما يقرب من عاماً من التواجد. استغرق الاستيلاء على العاصمة سنوات في التبلور، ولكن تم الانتهاء منه في نهاية المطاف في يوم واحد.
لم تواجه طالبان التي بدأت غزوها لكل مراكز المقاطعات الأفغانية، مقاومة تذكر عند دخولها المدينة في الصباح. بحلول المساء، كانت الحركة تجري مقابلات تلفزيونية في القصر الرئاسي الفخم، بعد ساعات فقط من مغادرة غني لأفغانستان.
ما بقي بعد ذلك تفاصيل، ومنها أن الصين لم يبد عليها انزعاج يذكر، وكان أول رد فعل رسمي لها هو الاستعداد للتعامل مع طالبان، وبقيت السفارة الصينية مفتوحة، وفيها من الدبلوماسيين من هو على استعداد للحديث.
في عام ، قبل عشرين عاماً تقريباً، كانت زيارتي الثانية للصين وفيها جرى لقاء في وزارة الخارجية الصينية، وهناك أثرت السؤال الطبيعي وقتها عن موقف الصين من التواجد العسكري الأميركي الكثيف في أفغانستان على الحدود الصينية. وكانت الإجابة عكس تماماً ما كنت قد قرأته في مصادر أميركية عن انزعاج يصل إلى حد الشعور بالتهديد من تواجد القوات الأميركية بهذا القرب، حيث قال المسؤول رفيع المستوى إن الصين لا تشعر بهذا أو ذاك، بل إنها ترى فائدة في أن يقوم الأميركيون بمهمة الدفاع عن الصين من خلال التعامل مع حالة من التطرف والإرهاب وعدم الاستقرار السائدة تحت حكم طالبان. وقتها تذكرت ما ذكرته مصادر عديدة أثناء الحرب الفيتنامية من أن الصين كانت ترى أيضاً في الأمر فائدة وهي تقريب «اللحم الأميركي» من اليد الصينية في فترة لم يكن فيها التوازن العسكري الصيني الأميركي لصالح الصين، ولا كانت هذه الأخيرة تقدر على الوصول إلى الأراضي الأميركية.
خلاصة القول هي أن للصين طريقتها الخاصة في تكييف المواقف المختلفة بحيث لا ترى فيها الفائدة فقط، وإنما ترى أيضاً ما فيها من فرص. ولعل ذلك يعد أول مفاتيح فهم التوجهات والسلوكيات الصينية، فلا يمكن تفصيلها على ما تعودنا عليه من أفكار تقليدية حول أن التواجد العسكري القريب للخصوم يكون سبباً للانزعاج. ولعل مثل هذا المفتاح يقودنا إلى فهم كيف أن الصين الدولة التي يوجد بها خمس سكان الأرض وعلى مساحة تقترب من مساحة الولايات المتحدة، صبرت كثيراً على ابتعاد قطع لا يخالف أحد أنها جزء من أراضيها مثل هونج كونج ومكاو وتايوان، وكلها أجزاء من «صين واحدة» ومع ذلك فإن الدولة الصينية لم تمانع أبداً في أن يعود المفقودون في ظل دولة واحدة ذات «نظامين» أحدهما رأسمالي والآخر شيوعي وإن اختلط ببعض الرأسمالية. لم تخض الصين حرباً من أجل هذه الأجزاء السليبة.
المفتاح الآخر للصين هو أنها في الأساس «المملكة الوسطى» التي يأتي لها العالم، ولكنها حينما تذهب إليه فإنها تذهب وفق قواعد تراها مخالفة لما تراه هي في ذاتها من ضرورة «الانسجام» الذي يبدأ من الفرد حتى يصل إلى الدولة حيث توجد «المدينة المحرمة» للسلطة حيث يوجد الانسجام الكامل. في خارج ذلك فإن الصين لا تجد مشكلة في التعامل مع أطراف مختلفة أو متنافسة أو متخاصمة أو حتى معادية، فهي تقوم ببناء ميناء حيفا في إسرائيل، في الوقت الذي تشارك في بناء العاصمة الإدارية المصرية، بينما توقع اتفاق تعاون متعدد الأبعاد مع إيران. المبادرة الصينية الأساسية في العلاقات الدولية هي «الحزام والطريق» الذي يدور حول الكرة الأرضية مقدماً ممرات للتجارة والانتقال والتواصل. بعبارات أخرى فإن الصين تقيم «العولمة» على طريقتها الخاصة، وهي على استعداد للحركة بسلاسة من أفغانستان حتى تصل إلى قناة السويس.
المفتاح الثالث يقيم دول العالم وتكتلاته حسب مشاركتها في هذه «العولمة» الصينية التي تعلم فيها الصين جيداً أن للولايات المتحدة نصيباً كبيراً من السوق العالمية؛ ولا توجد صدفة إطلاقاً أن الصين لديها أكبر احتياطي من الدولارات في العالم بعد الولايات المتحدة، كما أنها أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، ولديها كم أعظم من الاستثمارات الأميركية، وكذلك الحال في الاستثمارات الصينية في أميركا.
الصين لها طريقتها الخاصة في التعامل مع السوق العالمية، ومن المؤكد أنها لا تريد نفسها وحيدة في هذه السوق، وفي نفس الوقت تعلم أنه طال الوقت الذي حصلت فيه الصين على الفائدة القصوى من النظام الاقتصادي العالمي الذي كان يعاملها معاملة دول العالم الثالث الفقيرة. خرجت الصين من فقرها واستعدت لهذه اللحظة بتطورات تكنولوجية ضخمة تصل بها إلى الفضاء، واستعداد للتخلي عن صناعات بأكملها لدول العالم الفقيرة مثل الغزل والنسيج ولعب الأطفال التي شغلت البداية الأولى للصناعة الصينية.
مثل ذلك يوفر أرضية مناسبة لتفاهم أميركي صيني، وإذا كان في الأمر منافسة كما يرى الرئيس الأميركي جو بايدن، فلا بأس، وهناك فارق كبير بين المنافسة وكل من النزاع والصراع اللذين سيطرا على وجهتي نظر في الولايات المتحدة: على اليمين حيث يوجد ترمب ويريد أن ينزع الصناعات الأميركية الراقية مثل «آبل» ويعيدها إلى الولايات المتحدة؛ وعلى اليسار حيث توجد جماعات وحركات حقوق الإنسان والديمقراطية ولا ترى في الصين ودول العالم الأخرى إلا مسافة زادت أو قلت من آيديولوجيات ليبرالية لا يجد فيها المسؤولون الصينيون داخل الصين إلا الهراء الذي لا يحفظ بلداً ولا يقيم صناعة ولا يقود إلى ابتكار.
الحكاية الصينية أكثر تعقيداً وتركيباً من كل ما سبق، وهي حكاية تستحق الاكتشاف والاستكشاف، لأن الصين لم تعد ساكنة في المدينة المحرمة، فهي الآن سوف تكون موجودة وحاضرة وعلينا أن نفهمها بقدر ما نستطيع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاولة في فهم الصين محاولة في فهم الصين



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt