توقيت القاهرة المحلي 23:56:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هوامش على دفتر أزمة غزة

  مصر اليوم -

هوامش على دفتر أزمة غزة

بقلم - إميل أمين

أسبوعان منذ هجوم حماس المثير للشك والريبة على الداخل الإسرائيلي، جرت فيهما المياه الدولية بالكثير من الملاحظات التي ينبغي التوقف أمامها واستخلاص العبر، سيما أن المشهد مُرشَّح للتصعيد، وأمد المواجهات العسكرية قابل للتوسُّع ومن غير رؤية مستقبليّة واضحة.

أثبتت الأحداث أول الأمر، وكما أشار إلى ذلك سمو وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أنّ الضغوط الإسرائيلية كان لا بدّ لها من أن تقود إلى الانفجار، وهو ما حذّرت منه الرياض مرارًا وتكرارًا عبر دبلوماسيتها الفاعلة والناجزة، لكن من غير آذان صاغية، ما قاد في نهاية المشهد إلى ما نحن فيه.

ولعله من بين التساؤلات الكثيرة التي أثارتها العملية الحمساوية الأخيرة، يجيء البحث في الازدواجية الأخلاقية لهذه الجماعة، حيث نجدها في أوقات الرخاء تسارع في الداخل إلى تعظيم إيران وتركيا، وفي أوقات الشدة لا تجد لها ملجأ سوى السعودية ومصر وبقية دول الخليج، ما يقودنا للقول "مُتقلّب الوُدّ لا يُؤتمَن".

لطالما رفعت حماس صور سليماني ورموز الترك والفرس، وملأت شوارع غزة، بل أقيمت السرادقات لتقبل العزاء في قاسم سليماني، ورفعت صور عبد الملك الحوثي.

لن ينسى المرء إن جاز النسيان، ما ارتكبتْه هذه الجماعة في وقت أحداث الفوضى التي عاشتها مصر، في وقت ما عرف زُورًا بـ"الربيع العربي".

وفي كل الأحوال فإنه ليس الوقت الآن وقت التحليل والتفكيك وقراءة أبعاد مشهد حماس، ولصالح من فعلت ما فعلته في السابع من أكتوبر تشرين الأول الجاري، وإن كان الزمن كفيلاً بأن ما قيل همسًا في المخادع، سوف يُنادَى به من فوق السطوح.

هل يعني ذلك أن إسرائيل هي البراءة والبرارة، الطهر والنقاء؟

بالقطع لم ولن يكون هذا هو قصدنا في الحال أو الاستقبال، فهي كانت ولا تزال قوة احتلال لأرض عربية، وليست أرضًا اعتياديّة بل أرض لها قدسِيّتها.

تضرب إسرائيل القرارات الدوليّة عرض الحائط، وإلا لكانت طَبّقت القرارَيْن 242 و338، الداعيَيْن للانسحاب من الأراضي الفلسطينية، والرجوع إلى حدود الخامس من يونيو حزيران من عام 1967.

أسبوعان من العنف الإسرائيلي غير المسبوق تجاه المدنيين والعزل والأبرياء، الذين يدفعون أثمان بضاعة لم يشتروها، ولم تُفِدْهم، كما أنها قطعًا لن تفيدهم.

تستدعي القوة المفرطة للنيران الإسرائيلية، مقولة رئيس وزراء بريطانيا العتيد، ونستون تشرشل: "أنت لا تستطيع أن تفاوض لمدى أبعد مما تصل إليه نيران مدافعك".

في حال حماس، كان يتوجب عليهم التأمل مليًّا في معادلة مماثلة، وهل ستذهب في عملية عسكرية نوعية متميزة غير مسبوقة، في مقابل دمار شامل لقطاع غزة، وإرهاصات تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، ما يعني أنه عند نقطة زمنية بعينها، لن يكون هناك حضور ديموغرافي فلسطيني وبذلك يضيع تاريخ شعب على أرض منذ أربعة آلاف سنة، وهذا ما فهمته وبعمق الدبلوماسية العربية من الرياض إلى القاهرة مرورًا بعَمّان، وربما غيرها من العواصم العربية.

ولأن السيف قد سبق العزل، فقد بات الحديث عمّا فات، مَجْلَبة لكثير من الآفات كما يقال، ولهذا ربما ينبغي التوقف مع ما هو آتٍ من تطورات.

تحتاج المنطقة إلى أقصى درجات الحكمة وضبط النفس، لاسيما أن إسرائيل تشعر بأنها محمومة من جراء ما حدث لها، ولهذا تعود من جديد إلى فلسفة حدّ السيف التاريخية، والتي نكاد نكون مَلَلْنا من الحديث عنها.

منذ العام 1948 وإسرائيل تعتمد على القوة المسلحة الباطشة، من عند دير ياسين، مرورًا بمدرسة بحر البقر، وصولاً إلى المستشفى المعمداني، وتنسى أو تتناسى أن "من يأخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ"، بحسب القراءات التوراتية.

ضَيّعت إسرائيل فرصة ذهبية خلال مؤتمر القمة العربية في 2002، حين قدمت المملكة العربية السعودية مبادرة سلام شاملة وكاملة، تنسحب على إثرها إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وفي المقابل تقوم الدول العربية بإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، وبداية مسيرة تعايش مشترك.

تبدو أوهام القوة هي الحاكم والمسيطر في العقلية الإسرائيلية، إنها عقلية شيمون بيريز الذي طالما حلم بان يستيقظ ذات نهار ليجد قطاع غزة قد غرق في اليم.

واليوم يكمل نتنياهو الطريق معتمدًا على الآلة العسكرية الفتاكة.

لكن ما تنساه أو تتناساه إسرائيل، هو أن القضية الفلسطينية ليست قضية أرض اعتيادية، إنها أرض مقدسة لكافة العرب مسلمين ومسيحيين، وهذا ما يجعلها قضية عابرة للأجيال وليست قضية جيل بعينه فحسب.

من هوامش أزمة غزة الحديث عن فكرة المجتمع الدولي، والتي تبَدَّت من جديد أنها فكرة هلامية، ومن الخطأ المطلق الرهان عليها، سيما أن طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات وليس من الآخرين.

يتابع العالم ببرود شديد المذابح التي تجري صباح مساء كل يوم أمام أعين الأمم التي تدعي التحضر، ولا يحرك أحد ساكنًا.

أما السيد غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، فعلى الرغم من حسن نواياه، إلا أنه لا يملك في واقع الأمر قوة جبرية يمكنها أن تخضع إسرائيل أو غيرها من القوى التي تؤمن بمفهوم "القوة الخشنة"، ولا مجال في أدبياتها لأحاديث القوة الناعمة.

تفتح أزمة غزة من جديد أعيننا على حقيقة نكاد نكون نسيناها، حقيقة إسرائيل والتي تلعب دور القاعدة اللوجستية المتقدمة للقوى الغربية التاريخية، أوروبية ثم أميركية، ولهذا يتفهم المرء أن فكرة إسقاط دولة إسرائيل هي فكرة عبثية لا ينبغي الإيمان بها، ما لم تتغير موازين القوى الغربية دفعة واحدة، وتطفو على السطح قوى دولية مغايرة، تجد لديها من المنعة والقوة ما يجعلها تُخضِع إسرائيل لتنفيذ المُقرَّرات الدولية، ومن غير خوف من القوة العسكرية الأميركية القاهرة، والتي تكاد تفوق ما توافر للإمبراطورية الرومانية في أوج مجدها.

على أنه إن كان الرهان على المجتمع الدولي والأمم المتحدة ضياعًا للوقت، فهل يعني ذلك أنه ليس هناك طريق ثالث بديل عن الاستسلام أو الانتحار في مواجهات عسكرية؟

مؤكّد هناك ساحات معارك أخرى في العالم الرقمي، ووسائط التواصل الاجتماعي يمكنها تخليق رأي عامّ ذي ضمير باحث عن إحقاق الحقوق ورافض لسيطرة الظلم.

هناك مؤسسات دولية دينية كبرى كالفاتيكان الذي باتت مواقفه لا تعجب إسرائيل، وهناك شاشات هوليوود والعديد من نجومها.

هناك الجامعات والأجيال غير المؤدلجة، بل داخل أميركا هناك جماعات يهودية رافضة لقيام دولة إسرائيل بما تقوم به.

المعركة هذه المرة تحتاج لأفكار من خارج الصندوق... إنها معركة طويلة وممتدّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هوامش على دفتر أزمة غزة هوامش على دفتر أزمة غزة



GMT 13:12 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

حديث الأمير الشامل المتفائل

GMT 00:50 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

الأميرة رجوة تتألق بفستان أحمر في أول صورة رسمية لحملها

عمان ـ مصر اليوم

GMT 22:27 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

مدحت صالح يغني الراب للمرة الأولى في «شهم ابن شهم»
  مصر اليوم - مدحت صالح يغني الراب للمرة الأولى في «شهم ابن شهم»

GMT 13:05 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع
  مصر اليوم - تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع

GMT 22:59 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

انهيارات ثلجية تودي بحياة 4 أشخاص في النمسا

GMT 13:29 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من مدير مدرسة حدائق شبرا الإعدادية بنات

GMT 03:52 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

تعرف على موقع شراء تذاكر كأس العالم للأندية في قطر

GMT 07:46 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

توقعات برج الميزان لعام 2021 مع جومانة وهبي

GMT 18:38 2021 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

مختار مختار يضع خطة إنقاذ ميركاتو الشتاء في الإنتاج

GMT 20:44 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

خبير يطالب بتوفير فطر "الترفاس" المتواجد في صحراء مطروح

GMT 05:49 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 11 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 22:56 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

بوفون أفضل حارس في التاريخ بشهادة أساطير العالم

GMT 16:13 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

معوض الخولي يؤكد أن جامعة المنصورة تضع خطة لتوعية المجتمع

GMT 20:17 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تركي آل الشيخ لن يعود إلى السعودية حاليا

GMT 00:22 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على تراجع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon