توقيت القاهرة المحلي 10:41:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شونباخ ـ بوتين.. وعالم الغرب المنقسم

  مصر اليوم -

شونباخ ـ بوتين وعالم الغرب المنقسم

بقلم : إميل أمين

هل نجح القيصر بوتين في شق صف الغرب في الوقت الذي تسمع فيه قعقعة الحرب على الحدود الأوكرانية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، وخير دليل الموقف الألماني عامة الذي رفض تزويد أوكرانيا بالأسلحة مثلما فعل العم سام، الذي أرسل ما قيمته 200 مليون دولار من أدوات الحرب استعداداً للهول القادم من الشرق الأوكراني.
على أن تصريحات قائد البحرية الألمانية الأميرال كاي إخيم شونباخ، الأخيرة، ورغم أنها قادته إلى الاستقالة لاحقاً، فإنها عكست موقف الكثيرين من الألمان في روسيا وقائدها، وفي الناتو والتحالف الأميركي - الأوروبي، وربما بيّنت بوضوح أن الشرخ في الجدار الأوروبي يتعمق ويتسع يوماً تلو الآخر.
خلال مؤتمر عُقد في نيودلهي في المعهد الهندي للدراسات الدفاعية (متنوهار باريكار)، ذهب شونباخ إلى أنه من المهم جداً احترام بوتين، ومضيفاً أن إظهار الاحترام لا يكلف شيئاً، وأن الزعيم الروسي يستحق هذا الاحترام.
شونباخ، أثار ثائرة أوكرانيا والأوكرانيين حين أشار إلى واقع حال شبه جزيرة القرم، وكيف أنها أضحت منطقة روسية إلى الأبد، ولن تعود إلى أوكرانيا مرة أخرى.
عطفاً على ذلك، وضع شونباخ الجميع أمام حقيقة باتت مؤكدة للكثير من الأوروبيين، وهي أن روسيا ليست العدو الحقيقي لألمانيا أو الهند، بل الصين، وعليه يتوجب الانتباه جيداً إلى التحدي الصيني.
تستدعي تصريحات شونباخ وقفة متأنية في محاولة لفهم تصريحات مسؤول عسكري ألماني كبير؛ ذلك أنه ومهما قيل في تبرير تصريحاته أو إنكارها لاحقاً، فإن الحقيقة واضحة، وهي أن الغرب ينقسم يوماً تلو الآخر.
البداية قطعاً من خلال جسم حلف الأطلسي، الذي يتلقى طعنات في السنوات الأخيرة، وقد خيّل للبعض أن الرئيس جو بايدن سيعيد المودات التي انقطعت بصورة أو بأخرى خلال إدارة سلفه دونالد ترمب اليتيمة، غير أن ذلك لم يحدث، وغالب الأمر أنه لن تجري به المقادير.
تصريحات شونباخ توضح لنا أن هناك تياراً ألمانياً ربما يرى الحلف الأوراسي، في الوقت الراهن، أكثر أهمية وفاعلية، من حلف الأطلسي، وأنه ليس من مصلحة ألمانيا الجيوسياسية الدخول في صراع عسكري مسلح من جديد مع روسيا.
يبدو الخوف الألماني الحقيقي من الصين، والجميع يعلم أن تجليات الاقتصاد عادة ما تستتبعها ثورات وفورات عسكرية، وهذا ديدن الإمبراطوريات عبر التاريخ وحتى اليوم، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى حاملات الطائرات التي تبنيها الصين من جهة، وصوامع الصواريخ النووية التي تعدها تحت الأرض لقرابة عشرة آلاف رأس نووي، وما من أحد سيقدر على منعها، لا سيما أنها من يرفض الدخول في معاهدات نووية دولية.
يلفت الانتباه في تصريحات شونباخ أنها صدرت خلال لقاء عُقد في مركز دراسات هندية؛ ما يعني أن الهند ليست غافلة عما تجري به المقادير من حولها، والمراقب للشأن الهندي يعلم أن هناك تقارباً روسياً - هندياً بنوع خاص، هدفه الرئيس التحسب للنمو الصيني القائم والقادم، والذي يمكن أن يكون وبالاً على الدولتين، رغم التحالف البراغماتي الظاهر للعيان بين موسكو وبكين، والمرجح أن تنفصم عراه عند أقرب نقطة خلاف؛ إذ لا يزال الرماد تحت النيران بين الجانبين.
يمكن القطع أن شونباخ قد لامس الأسلاك العارية في شخصية الرئيس بوتين، لا سيما أن حديثه عن الاحترام تجاهه هو بيت القصيد، وهو ما لا تريد الدولة الأميركية العميقة فهمه، بل تمضي وراء مشروع القرن الأميركي للمحافظين الجدد حتى الساعة، والذي يبغي صبغ العالم برمته بلون العلم الأميركي، ومن غير أي اعتبار لمفاهيم الدولة الويستفالية.
لا يبدي الغرب احتراماً لبوتين، كما أن الناتو ينكص على وعوده يوماً تلو الآخر، فقد قطع على نفسه التزاماً في زمن تفكيك الاتحاد السوفياتي بألا يتقدم إلى الحدود الروسية، وها هو ينكر اليوم ما وعد به بالأمس.
يبدو الأميرال شونباخ من العارفين بشخصية بوتين بشكل معمق، ويدرك أن الجرح الغائر في قلب بوتين حتى الساعة يتمثل في المهانة والإذلال اللذين لاقاهما الروس من الدوائر الأميركية والغربية، ولا يزال ضابط الاستخبارات السوفياتية يشعر بأن سيف الغدر قد ذبح بلاده مرة، وعليه فإنه من المستحيل أن يسمح بتعرضها لسيناريو مشابه عبر اقتراب حوائط صواريخ الناتو من بلاده، وحتى لو كلف الأمر مواجهة لا تبقي ولا تذر.
في حديثه عن الدول التي ترغب في الانضمام إلى الناتو، بدا شونباخ رجل تفكير استراتيجي، وهذا ليس بغريب على أحد أبناء بسمارك؛ ذلك أنه أشار إلى أن جورجيا تستوفي معايير الانضمام إلى الحلف، لكن عضويتها، وعلى حد تعبيره، غير منطقية... لماذا؟
باختصار غير مخل؛ لأنها بذلك تخل بالتوازنات الجغرافية والديموغرافية التي تحفظ لأوروبا سلامها.
شونباخ يرى أن حرباً جديدة في القارة الأوروبية يمكن أن تبدأ في العقود القريبة... هل دق الرجل جرس إنذار للقارة العجوز؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شونباخ ـ بوتين وعالم الغرب المنقسم شونباخ ـ بوتين وعالم الغرب المنقسم



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي

GMT 09:23 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

ضغوط متزايدة على لامبارد بعد أحدث هزيمة لتشيلسي

GMT 04:38 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

نفوق عشرات الآلاف من الدواجن قرب بلدة "سامراء" شمال بغداد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon