توقيت القاهرة المحلي 01:04:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ست ساعات غيّرت وجه أميركا

  مصر اليوم -

ست ساعات غيّرت وجه أميركا

بقلم : إميل أمين

عام مر على السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، حيث مشاهد اقتحام الجماهير الثائرة الغاضبة للكونغرس الأميركي، تكاد تكون غيرت صورة أميركا في أعين العالم خلال ست ساعات.
لا يزال المشهد صادماً، لا سيما أنه جعل من أميركا دولة شديدة الشبه بجمهوريات الموز في العالم الثالث.
يحتاج تحليل «خميس الغضب»، إلى التوقف عند نقاط كثيرة، والبداية من عند الكيفية التي تسللت من خلالها الجماهير الغاضبة، ومَن سمح بالوصول إلى قلب الكونغرس بهدف إيقاف إجراءات تثبيت فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.
في الوسط من الزاحفين، كانت هناك إشارات مرعبة، وفي المقدمة منها أعلام الكونفيدرالية التي ارتفعت بأيدي البعض من المتظاهرين... ماذا تعني تلك الأعلام؟
يعني أن هناك تياراً واسعاً في ولايات عدة، يرى أنه قد حان الوقت لنهاية الاتحاد الأميركي بصورته الحالية، والعودة إلى زمن الكونفيدرالية، أي ارتباط أقل للولايات معاً، ومساحات أوسع من الاختيار والحريات لكل ولاية في اتخاذ ما تراه من قوانين، وهو نسق يلقى قبولاً في الكثير من الولايات الأميركية، لا سيما الكبرى منها مثل كاليفورنيا وتكساس، اللتين تتعالى الأصوات فيهما منددة بتحملهما عبئاً مالياً يذهب لولايات أخرى.
هل كان السادس من يناير جرس إنذار لتفكيك أميركا بعد تفخيخها على أسس عنصرية يمينية؟
ربما ذلك كذلك قولاً وفعلاً، وفي كل الأحوال تبقى التوجهات اليمينية مسألة كارثية في طريق مستقبل الولايات المتحدة، لا سيما أنها تتمسك بفكرة «أميركا الواسب»، أي البيضاء البروتستانتية الأنغلو - ساكسونية، أميركا البيوريتانية، في مواجهة أميركا جاكسونية تميل إلى الحفاظ على الجذور العرقية لكل جماعة ذات أصول حضارية وثقافية مختلفة؛ الأمر الذي أفرد له المفكر الأميركي فرنسيس فوكاياما كتابه الأخير عن الهوية وسياساتها.
في مشهد السادس من يناير الأميركي ملمح قمة في الخطورة، فقد رصدت الأجهزة الأمنية الأميركية المختلفة ضمن المهاجمين، المئات من عناصر الجيش الأميركي السابقة، والخطورة هنا تتمثل في أن هؤلاء لديهم خبرة عسكرية هائلة في أعمال القتال، أي أنهم قنابل موقوتة يمكنها أن تنفجر في أي وقت وأي مكان، وإن ينسى الأميركيون فإنهم لا ينسون، تيموثي ماكفاي الذي تسبب في تفجير مبنى فيدرالي في مدينة أوكلاهوما عام 1995 وقد كان عسكرياً سابقاً.
هذه العناصر اعتبرت تباشير لمخاوف أشد هولاً، يتحدثون عنها الآن، في حين تستعد لأعمال عنف وشغب، وربما تصل إلى مواجهات أهلية على مشارف الانتخابات الرئاسية عام 2024؛ ما يعني أن الولايات المتحدة باتت وعن حق على صفيح ساخن.
ينتقص من مظاهر الديمقراطية الأميركية منذ السادس من يناير المنصرم، موقف أدوات الإعلام الأميركية التي باتت بدورها متشظية إلى يمين ويمين وسط ويسار، وجميعها تتصارع بشكل مخيف، يجعل من سلامة النسيج المجتمع الأميركي أمراً مشكوكاً فيه في المدى الزمني القريب، بل أكثر من ذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي ربما باتت أدوات للقطع الاجتماعي وليس للوصل، فقد كان الترويج للهجوم مثيراً للقلق؛ الأمر الذي حدا بشبكة مثل «تويتر» أن توقف حساب الرئيس ترمب الذي روّج من خلالها لفكرة تزوير الانتخابات.
أظهر النهار الدامي أن هناك إشكالية لا تزال قائمة وقادمة في النفسية الأميركية، تلك المتعلقة بالموازنة بين الحريات وبين مقتضيات الأمن، وهي إشكالية تعمقت منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ولا تزال واشنطن أسيرة لها ولم تتجاوزها حتى الساعة، بمعنى أن الأميركيين لم يعبروا بعد الحاجز الزمني وصولاً إلى 12 سبتمبر.
مرة أخرى بدا السادس من يناير موعداً مثيراً للأميركيين لحسم خيارهم، وهل يفضلون الحفاظ على الحريات، بما فيها التظاهر السلمي، وإن كان ما جرى هجوماً غير سلمي على قلعة التشريع الأميركي، أم يذهبون وراء تأمين بلادهم، وقد أثبتت التجربة أن الصين على سبيل المثال قد أعدت استراتيجية مواجهة نووية في ذلك النهار، لولا اتصال الجنرال مارك ميلي رئيس أركان القوات المسلحة بنظيره الصيني، وتطمينه بأن الأمور تحت السيطرة؛ إذ خشي الصينيون من أن يستغل البعض في الداخل الأميركي الفوضى ويقوموا بتوجيه ضربة للقوات الصينية.
في ذلك النهار المثير، بدا واضحاً أن هناك شرخاً عميقاً ضرب الديمقراطية الأميركية، فقد أكد نحو 74 مليون أميركي انتخبوا ترمب، أن هناك تزويراً كبيراً قد حدث، وأن الدولة الأميركية العميقة هي من قامت بذلك لطرد ترمب القادم من خارج الدائرة السياسية الموصومة بالفساد.
هل يمكن اعتبار ما جرى أثراً طبيعياً لرواج نظرية المؤامرة في الداخل الأميركي؟
في واقع الأمر، يمكن القطع بأن أحاديث المؤامرة موجودة في كل الدول، لكن الذين يؤمنون بها عشرات أو مئات، وفي أفضل الأحوال بضعة آلاف، أما أن تبقى يقيناً راسخاً في نفوس الملايين من الأميركيين، فهذا يعني أن الجدار الديمقراطي الأميركي العالي، قد تعرض لصدمة قوية ولا يدري أحد هل سينهار يوماً قريباً، كما انهار جدار برلين أم لا؟
هل باتت أميركا في حاجة إلى قيادة سياسية حكيمة من نوعية آيزنهاور وكيندي وحتى رونالد ريغان؟
من أسف، لم ينجح جوزيف بايدن خلال عام في لمّ شمل الأميركيين كما تعهد؛ الأمر الذي يجعل جرح السادس من يناير قائماً وقادماً.
سيكون عام 2022 عام ارتدادات ذلك النهار ولا شك، وعام تجربة لما سيكون 2024؛ ذلك أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ستجري انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والتي ستكون بدورها مقدمة لأميركا ما بعد 6 يناير 2021.
والليالي حبلى بالمفاجآت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ست ساعات غيّرت وجه أميركا ست ساعات غيّرت وجه أميركا



GMT 01:04 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

طه في المدينة

GMT 00:57 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

العيد ومفهوم الدين

GMT 00:00 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ…

GMT 23:58 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

صلاح الدين بين الحقيقة والخيال

الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:11 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

مدافع الأهلي ياسر إبراهيم يحتفل ببطولاته مع الفريق المصري

GMT 23:17 2020 الإثنين ,07 أيلول / سبتمبر

مؤشرا البحرين العام والإسلامي يقفلان على ارتفاع

GMT 01:16 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

مجد القاسم يطرح أحدث أغنياته الجديدة "أنا نادم" ‏

GMT 06:08 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

شريف إكرامي يرد على مدحت العدل

GMT 01:32 2020 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

فايلر طلب من مسؤلي الأهلي تأجيل قمة الدوري المصري

GMT 00:35 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

شيرين رضا أناقة ما بعد الخمسين بأسلوب بنات العشرين

GMT 20:29 2019 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ننشر الأسعار الجديدة لتذاكر النقل العام

GMT 23:41 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مؤشر سوق مسقط يغلق منخفضًا الثلاثاء

GMT 09:52 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

إلينا سانكو تفوز بلقب "ملكة جمال روسيا" لعام 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon