توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الترفيه والتتويه

  مصر اليوم -

الترفيه والتتويه

بقلم - د. محمود خليل

يتعجب المراجع لسيرة «فريدريك دوجلاس» التى اشتمل عليها كتاب: «مذكرات عبد أمريكى» من أن أدوات الترفيه كانت تمثل وسائل يستخدمها السادة فى ترويض العبيد والسيطرة عليهم.

جوهر الترفيه فى حياة العبيد كان يتمثل فى الإجازات، فأيام الأعياد وغيرها كانت تمثل بالنسبة لهم فرصة للتنفس، حيث يتوقف العمل فى المزارع، بما يرتبط به من إجهاد وقسوة وعنت، وتزداد مساحات المتعة والاسترخاء والانفلات من الهموم والأوجاع التى تراكمت عبر أسابيع وشهور. وخلال فترة الإجازات تتاح أيضاً الكثير من وسائل إشباع الكيف أو المزاج، ويستمتع العبد بحالة التوهان أو التغييب التى تضعه فيها هذه الوسائل، فينسى معها عذاباته لبعض الوقت، وتشهد الإجازات أيضاً وفرة أكبر فى الطعام، يتيحها السادة الذين يحنون على العبد فى هذه الأيام دون غيرها، وتوفرها أحياناً المسألة التشاركية، حين يضع كل عبد ما لديه من طعام أمام أصدقائه، ويأكل الجميع معاً، ويأخذ كل منهم ما يكفيه.

مثّلت الإجازات فى تاريخ العبودية حضّانة تضم العديد من الأدوات التى تساعد العبد على الاستمرار وتحمُّل حياة لا يتحملها غيره، وإلى جوارها كانت المسابقات التى يتنافس فيها طرفان، وينقسم المشجعون نحوهم إلى فريقين، ويستمتع كل فريق بسعادة النصر، أو يتوجع بإحساس الهزيمة.

ولو استعرضت تجارب التاريخ فستجد أن الاحتفاليات والمنافسات لعبتا دوراً مهماً كأداتين من أدوات السيطرة على المجموع. فالبشر لديهم غرام بالمنافسات الرياضية، وهم يدفعون فيها من مالهم واهتمامهم وأعصابهم بل ودمائهم، ويشعرون أنهم ملكوا الدنيا حين ينتصر الفريق أو الطرف الذى يشجعون، وأثناء المنافسات يتعطل المتابعون عن التفكير فى أى شىء خارج المباراة، والأمر نفسه ينطبق على الاحتفاليات، حيث يميل أغلب البشر إليها ويعتبرونها مساحة للهروب من ضغوط الحياة وكدرها، وهم يستعدون لها بكل متطلباتها، ويعيشون لحظاتها بسعادة واضحة. وليس أدل على قيمة الاحتفاليات فى حياة الإنسان من ميل البشر إلى تحويل المناسبات الدينية إلى احتفاليات كبرى يختلط فيها المقدس باللامقدس والدنيوى بالدينى.. إنه البحث المستمر عن وسيلة للهروب من الواقع.

وعبر كل العصور مثّل التتويه أو التغييب الهدف الأكبر لتفعيل أدوات الترفيه فى حياة العبد، وعلى النقيض منهما كانت أدوات التعليم والتوعية أكثر الأدوات تهميشاً. فلم يكن يتاح منها شىء للعبد، يحكى «فريدريك دوجلاس» فى «مذكرات عبد أمريكى»: أنه انتقل خلال رحلة العبودية من المزرعة التى وُلد فيها إلى المدينة، ليعمل خادماً فى أحد بيوت السادة، وهناك حاولت سيدة البيت الطيبة أن تعلمه القراءة والكتابة، وقد فرح بذلك كثيراً، وكانت استجابته فى التعلم سريعة وكبيرة، ولكن حين علم سيد البيت بنشاط زوجته فى تعليمه غضب ونبّهها إلى مخاطر التعلم على العبد الصغير وعليهما. فالتعليم قد يتسبب فى تفجر مشاعر وأحاسيس بداخله تدفعه للتساؤل عن واقعه وما يحدث له، وقد يؤدى فى الختام إلى أن يثور على السادة.

العبودية وغياب الوعى شريكان لا يفترقان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الترفيه والتتويه الترفيه والتتويه



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt