توقيت القاهرة المحلي 04:49:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«باش جراح» المحروسة

  مصر اليوم -

«باش جراح» المحروسة

بقلم - محمود خليل

 

الخطط التعليمية فى مصر أوائل القرن التاسع عشر كانت ترتكز على البعثات كأداة أساسية لإنتاج الكوادر المهنية القادرة على التأسيس والارتقاء بالمهن المختلفة فى مصر، وعلى رأسها بالطبع مهنة الطب، وانطلاقاً من ذلك سافر محمد على الحكيم فى بعثة لتعلم الطب فى فرنسا. وكان اختيار طلاب البعثات فى ذلك الوقت يتم طبقاً لمعايير دقيقة، وتقدم لهم الدولة راتباً شهرياً، تحدد فى 150 قرشاً، كان «الحكيم» يعطى 50 قرشاً منها لوالدته، ويستبقى 100 قرش لنفسه.. ويمنحك هذا التصرف مؤشراً على الوضع الاقتصادى للأسرة التى خرج منها «الحكيم»، فلم تكن بالثراء الذى يساعدها على الاستغناء عن مساعدته، بل كانت تستثمر فيه حين وجهته إلى التعليم، وتأملت أن يشق لهم هذا الفتى طريقاً يسلكونه ليصبحوا من الأسر الأكثر ارتكازاً على مستوى الوضعين الاجتماعى والاقتصادى.

مكث محمد على الحكيم يدرس فى مدرسة الطب بباريس، وأثبت تفوقاً ملحوظاً فى الدراسة، وخاض العديد من الامتحانات الشفوية ونجح فيها بتفوق، ولم يتبقَّ له إلا أن يقدم «رسالة» فى أحد أفرع الطب، تتناول أحد الأمراض الشائعة فى مصر، حتى يحصل على الدرجة العلمية المؤهلة له لكى يكون طبيباً مرموقاً، وهنا حدث ما لم يكن فى الحسبان، فقد وردت المكاتيب من مصر المحروسة له ولطلاب البعثة بالعودة فوراً إلى مصر، فعاد «الحكيم» يجر أذيال الخيبة والإحباط مع زملائه، ليكتشفوا فى مصر أن المخاطبة التى طالبتهم بالعودة صدرت بدون علم الوالى محمد على، وأن البيروقراطية المصرية العتيدة التى تحسبها بالنكلة والسحتوت هى السبب فى أمرهم بالعودة. تم تصحيح الموقف بتوجيهات من محمد على فعادت البعثة من جديد، واستكمل محمد على الحكيم مشواره.

كانت الرسالة التى أعدها محمد على الحكيم حول «الرمد الصديدى فى مصر» -كما يشير جرجى زيدان فى كتابه «تراجم مشاهير الشرق فى القرن التاسع عشر»- من الكفاءة بحيث أثارت إعجاب أساتذته الفرنسيين، ووصلت أخبار تفوقه وإعجاب الفرنسيين به إلى مصر، ما مكنه بمجرد العودة إليها -عام 1838- إلى أن يصبح «باش جراح» وأستاذاً للعمليات الجراحية الكبرى والصغرى والتشريح الجراحى. وقد كان مرض الرمد الصديدى من أكثر الأمراض شيوعاً بمصر فى ذلك الوقت وكان سبباً فى إصابة الكثيرين بالعمى.

أنعم الوالى على محمد على الحكيم برتبة «صاغقول أغاسى»، وهى رتبة رائد، ورُقى بعدها إلى رتبة بكباشى (مقدم)، وكان أى مهنى فى ذلك الوقت يبلغ مبلغاً معيناً من العلم يكافأ برتبة فى جيش الوالى، يتحدد على أساسها راتبه ومكتسباته. وقد بلغ محمد على البقلى الملقب بـ«الحكيم» بعد ذلك رتبة أمير ألاى (عميد)، وفاز بالعديد من المناصب والنياشين الرفيعة تقديراً لجهوده فى خدمة المرضى والعمل الطبى فى مصر، ورغم النجاحات التى حققها عبر رحلته والتى نقلته ونقلت أسرته نقلة كبيرة على المستويين الاجتماعى والاقتصادى، فإن هذه الرحلة لم تخلُ من العديد من الأحداث الدرامية المثيرة، خصوصاً فى علاقته بحكام الدولة العلوية.. وكان أكثرها إثارة حادثة وفاته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«باش جراح» المحروسة «باش جراح» المحروسة



GMT 00:30 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

فن الكذب عند ترامب!

GMT 21:01 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

أحزان عيد القيامة!

GMT 20:58 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

د. محمد غنيم رائد زراعة الكلى

GMT 20:51 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

الأمور نسبية؟!

GMT 19:16 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

المفقود والمولود

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:23 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

طرق سيئة للنوم قد تتسبب في الوفاة ببطء
  مصر اليوم - طرق سيئة للنوم قد تتسبب في الوفاة ببطء

GMT 23:13 2021 الثلاثاء ,27 إبريل / نيسان

القمر العملاق يزين سماء مصر في ليلة نصف رمضان

GMT 14:36 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 23:48 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

علي زين رجل مباراة مصر والدنمارك في ربع نهائي بطولة العالم

GMT 22:00 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

أسوان يدعم صفوفه بالسيد فريد وعمرو رضا قبل نهاية الميركاتو

GMT 10:08 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

منتخب مصر لليد يكشف تفاصيل إصابة أحمد الأحمر

GMT 07:37 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

أجنّة سمكة قرش منقرضة أكلت أشقائها في الرحم

GMT 04:22 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

موديلات جمبسوت خطوبة للعروس العصرية تعرفي عليها

GMT 06:59 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

تتغير الظروف في الشهر الاول عما كانت عليه مؤخراً

GMT 09:34 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يسأل عن 8 ملايين دولار مستحقة لمصر لدى الكاف

GMT 01:44 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

"بسنت" يتصدر مؤشرات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon