توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحكمة والانفلات

  مصر اليوم -

الحكمة والانفلات

بقلم: د. محمود خليل

في القرآن الكريم تجد الكبر وبلوغ الأشُد عنواناً للحكمة في الأغلب، أما الشباب فعنوان للاندفاع والرعونة في الأغلب. وهناك آيتان في سورة «الأحقاف» دالتان إلى حد كبير على هذا المعنى.

تقول الآية (رقم 17) من السورة الكريمة: «وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ». يقول «القرطبي» في تفسير هذه الآية إنها نزلت في عبدالله بن أبى بكر أو عبدالرحمن بن أبي بكر، وكان أبواه: «الصديق وأم رومان» يدعوانه إلى الإيمان بالله ويذكّرانه بالحساب، فيتأفف منهما، ويستغرب من كلامهما عن البعث، وقد سبقه إلى الموت كثيرون من قبله، ولم يُبعث أحد من قبله، وأمام هذا الكبر والغرور يستغيث الأبوان بالله ويحذران ابنهما المتكبر المغرور قائلين: ويلك آمن، ويؤكدان له أن وعد الله حق، فيرد عليهما: ما هذا إلا أساطير الأولين.

يذكر «القرطبي» أن السيدة عائشة، رضي الله عنها، نفت أن تكون الآية نزلت في عبدالرحمن بن أبي بكر. وأياً من كان الشخص الذى تحكى عنه الآية فهي تصف مشهداً موجعاً بين شاب في مطلع العمر، يشعر بقوته وعنفوانه، أمام أبوين مضى بهما العمر وصقلتهما التجربة وعلّمتهما الحكمة، وهما يحذران الشاب الأرعن من أن يضيع عمره سدى فيما لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة، فالوعي بمفهوم الحساب والقناعة به يصلح حال بني آدم في الدنيا والآخرة، فمن أمن العقاب وغاب عنه الحساب في الدنيا أساء الأداء مع البشر، ومن نسى حساب الآخرة ضل وزل وفسد وأفسد.

من المشهد الذي تصفه الآية (رقم 17) ننتقل إلى المشهد الذي وصفته (الآية رقم 15) من سورة «الأحقاف» والتي تحكي رحلة حياة بني آدم منذ الحمل والولادة حتى الكبر، يقول تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ».

نحن هنا أمام مشهد الرجل الذي امتطى عجلة الحياة ومر بتجارب تعلم منها حتى وصل إلى سن الحكمة، سن الأربعين، في هذه الحالة لا يحتاج الحكيم إلى من ينصحه، إنه من حال نفسه يتجه إلى الله، لو كانت الحياة قد عركته وأوجعته فعلاً، وعلمته قيمة النعم التى حباه الله بها عبر رحلته، فيتوجه إلى خالقه بشكر النعم العديدة التى أنعمها عليه، ويدعوه بأن يرزقه ويهيئه للعمل الصالح، ويبرأ إليه سبحانه من معاصيه، ويعلن استسلامه الكامل له.

إنهما مشهدان آسران للشباب وما يعترى الإنسان فيه من رعونة، وللرجولة والنضج وبلوغ الأشد بما ييسره الله للإنسان خلالها من حكمة وعمق في فهم الحياة ووضعها في حجمها الحقيقي، والبحث عن القيمة الحقيقية في إصلاح الحياة وإرضاء الخالق العظيم بالعمل الصالح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكمة والانفلات الحكمة والانفلات



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt