توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الموروث التاريخي.. وفخ التناقض

  مصر اليوم -

الموروث التاريخي وفخ التناقض

بقلم :د. محمود خليل

مفارقات عديدة يجدها المتأمل لصورة النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فى كل من كتب السيرة وتفاسير القرآن الكريم، بشكل يضعه فى أحوال أمام صورتين مختلفتين للرسول فى كل نص منهما.

أثار واحد من أبرز الكتَّاب (الشاعر والكاتب العراقى معروف الرصافى) إشكالية المفارقة تلك بدايات القرن العشرين، وأعد دراسة عميقة عن الشخصية المحمدية، تصدر مقدمتها فقرة تستحق التأمل، يقول فيها: «وإذا دحضنا ما جاء به الرواة من الأخبار الملفقة بما يكذبها من المعقول ومن آيات القرآن لم نر فى حياته ما يخالف العادة ويخالف سنة الله التى لا تقبل التبديل ولا التحويل. وسنجد أنفسنا أمام شخصية عظمى اجتمع فيها من عناصر الكمال البشرى ما لم يعرف التاريخ اجتماعه من قبل».

وحديثاً أثارت الباحثة التونسية «ناجية الوريمى» الإشكالية نفسها فى كتابها «الائتلاف والاختلاف»، وخلصت إلى أن بعض الأحداث تم معالجتها بشكل مختلف داخل كل من السيرة وتفاسير القرآن الكريم. واستنتجت أيضاً أن شخصية النبى التى رسمتها السيرة عكست أننا أمام بشر اصطفاه الله لحمل رسالته، فى حين رسمت التفاسير صورة مثالية للنبى لا أثر فيها للنوازع البشرية.

ثمة مساحات من التناقض إذاً تظهر بين نص السيرة ونص التفسير، وفخ التناقض هذا وقع فيه واحد من كبار من كتبوا فى الفرعين، وهو «ابن كثير»، الذى اشتهر بتفسيره للقرآن الكريم (تفسير ابن كثير) وكتابة السيرة (البداية والنهاية).

«ابن كثير» واحد من أكبر مفسرى القرآن والمؤرخين للإسلام، ممن تشهد كتاباتهم على حالة التناقض التى أحياناً ما تحكم رؤية بعض المؤرخين لعدد من الشخصيات المؤثرة فى تشكيل خطاب الموروث التاريخى والتفسيرى. والمتأمل -على سبيل المثال- لما ذكره «ابن كثير» حول شخصية «كعب الأحبار» -يهودى الأصل- يجد أن حديثه عنه يتسم بالتشكك فى أقواله التى يستقيها من التوراة وما ورثه عن علماء بنى إسرائيل، ورغم ذلك تتزاحم كتاباته فى السيرة والتفسير بالعديد من الأخبار والحكايات التى ينقلها عنه.

موقف «ابن كثير» من موضوع تحريف التوراة متناقض، ففى تفسيره لآية «التحريف» تجده يشير إلى أن التحريف المقصود يعنى الغرض فى التأويل، أو سوء الفهم، والمراوغة على أوامر السماء، ولا ينص صراحة على أنه يعنى تغييراً أو تبديلاً للنص.

وفى موضع آخر من كتابه «البداية والنهاية» يقدم فهماً آخر لمعنى «التحريف» وكذا رأياً متناقضاً فى «كعب الأحبار» يقول فيه: «وهذه التوراة التى يبدونها ويخفون منها كثيراً فيما ذكروه فيها تحريف وتبديل وتغيير وسوء تعبير. وهذا «كعب الأحبار» من أجود من ينقل عنهم وقد أسلم فى زمن عمر، وكان ينقل شيئاً عن أهل الكتاب، فكان عمر، رضى الله عنه، يستحسن بعض ما ينقله لما يصدقه من الحق وتأليفاً لقلبه، فتوسع كثير من الناس فى أخذ ما عنده، وبالغ أيضاً هو فى نقل تلك الأشياء التى كثير منها لا يساوى مداده، ومنها ما هو باطل لا محالة، ومنها ما هو صحيح لما يشهد له الحق الذى بأيدينا».

«ابن كثير» يرى أن الكثير مما يحكيه أو ينقله «كعب الأحبار» لا يساوى المداد (أى الحبر) الذى كُتب به. فما الذى دعاه إلى النقل عنه؟. إنها الرغبة الجامحة فى إثبات نبوة محمد فى التوراة، والمحاولة الدؤوبة للاستشهاد بحالة «كعب الأحبار» عند تفسير الآيات القرآنية التى تشير إلى أن أهل التوراة يعلمون نبوة محمد لكنهم يكتمون الحق.

فعل المؤرخون ذلك وكأنهم بحاجة إلى إثبات الحق الذى جاء به القرآن ونبى الإسلام، وهى مفارقة عجيبة أساسها الرغبة فى الحشو كانت توافق هوى بعض منهم، بما فى ذلك كبيرهم «ابن كثير»، رغم قناعتهم وقناعة «الكبير» بفساد وعبثية الكثير مما يحكيه «كعب».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموروث التاريخي وفخ التناقض الموروث التاريخي وفخ التناقض



GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

GMT 03:41 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

برنامج «إنجيل» متهم بالإبادة الجماعية

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:36 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله
  مصر اليوم - ميسي يتحدث عن العامل الحاسم في اعتزاله

GMT 16:39 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف على أفضل انواع "الأرضيات الصلبة" في الديكور المنزلي

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

نادين نجيم تتألق في حفلة Bulgari Festa في دبي

GMT 14:32 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الآثار تصدر الجزء الأول من سلسلة الكتب عن مقابر وادي الملكات

GMT 10:34 2017 الأحد ,23 إبريل / نيسان

نيرمين الفقي تنشر صورة جريئة تكشف عن مفاتنها

GMT 15:16 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يرتدي الزي الجديد في تصفيات أمم أفريقيا

GMT 08:14 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تغزو عالم التزلج على الجليد بمجموعة فريدة

GMT 10:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قائمة نيويورك تايمز لأعلى مبيعات الكتب في الأسبوع الأخير

GMT 07:52 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة إعداد فطيرة التين باللوز المحمص

GMT 13:47 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

دار MARVINI للمجوهرات تطرح المجموعة الجديدة للمرأة الجذّابة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon