توقيت القاهرة المحلي 21:48:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوعي والهوى الغلاب

  مصر اليوم -

الوعي والهوى الغلاب

بقلم :د. محمود خليل

الوعى ببساطة هو مجموعة المدركات والصور التى يختزنها الفرد حول الواقع الذى يعيش فيه والأحداث التى تتفاعل من حوله، بناء على ما يصله من معلومات.

فالمعلومة هى أساس الوعى، إذا كانت صحيحة دقيقة واقعية كان وعى الفرد سليماً متماسكاً، وإذا لم تكن بات وعيه زائفاً.

والوعى أشكال وألوان مختلفة. فهناك الوعى السياسى، والوعى الاقتصادى، والوعى الاجتماعى، والوعى الدينى وغير ذلك، وكل نوع من أنواع الوعى له ما يحكمه، ويؤثر على طريقة استيعاب الفرد للمعلومات التى تصله حول الواقع، وأسلوب إدراكه للأحداث والأشخاص.

فالوعى السياسى يحكمه الهوى، والوعى الاقتصادى تحكمه المصلحة، والوعى الاجتماعى يحكمه الانتماء الطبقى، والوعى الدينى يحكمه منسوب الحكمة.

فإدراك الفرد للأحداث السياسية يتأسس على ما يتوافر له من معلومات حولها، لكنه محكوم بالميول والأهواء السياسية الغلابة. فى كل عصر تسود اتجاهات مختلفة ويتنازع الناس بين رؤى سياسية متباينة أمام الموضوع الواحد. هذه الأهواء تؤثر فى وعى الإنسان وتحدد مسارات تفاعله مع ما يجد من أحداث وقضايا داخل المجتمع.

كما أن إدراك الفرد للأحداث الاقتصادية محكوم بالمصلحة، فإذا سمع عن قرار أو إجراء أو سياسة فإنه يحدد إدراكه له أو اتجاهه نحوه بناء على ما سيحققه من منافع أو ما يلحق به من أضرار.

والوعى الاجتماعى محكوم بالانتماء الطبقى. فكل طبقة اجتماعية ولها أخلاقياتها وتوجهاتها ونظرتها الخاصة إلى الآخر الطبقى، وبالتالى تتفاعل مع ما يتوافر لديها من معلومات تتعلق بالأحداث الاجتماعية طبقاً للثوابت والصور النمطية التى تتسكع فى رأسها حول الآخر وأخلاقياته وتوجهاته.

الوعى الدينى أيضاً له ما يحكمه ويتحدد فى منسوب الحكمة. فالحكمة هى التى تدفع الفرد المتدين إلى نظرة أكثر عمقاً إلى التاريخ وكذا إلى الواقع، وإلى نظرة أكثر نضجاً للذات وكذا للآخر الدينى، فتجد الواعى دينياً بعيداً عن التعصب أو التشدد أو التنطع، وميالاً إلى وضع ذاته المؤمنة فى حجمها الطبيعى أمام الخالق وإلى التماس الأعذار لخلق الله.

الواقع ليس مجرد معلومات يتم رصها فى ذهن الفرد لنتوقع منه بعد ذلك اتجاهات ومواقف وسلوكيات معينة، المعلومات تتفاعل داخل نفوس بشرية لها أهواؤها وقناعاتها ومصالحها كما تتباين فى منسوب حكمتها. ومهما تساوى الناس فى حجم ونوع المعلومات المتاحة لهم حول موضوع معين، فإن أسلوب تفاعلهم معه هو المحدد الأهم لشكل وعيهم به.

أيام النبى صلى الله عليه وسلم كان الاستماع إلى القرآن الكريم -جوهر الرسالة المحمدية- متاحاً للجميع، اثنان من كبار أهل مكة استمعا إلى كلام الله، أولهما عمر بن الخطاب، والثانى هو الوليد بن المغيرة.. فماذا كان موقف كل منهما؟

خرج عمر بن الخطاب وهو ينوى قتل النبى، فقابله فى الطريق مَن أخبره بأن أخته أسلمت مع زوجها، فذهب إليهما واعتدى عليهما وأخذ ما فى يدهما من قرآن وقرأه، فآنس كلام الله نفسه فوعاه وفهمه، ثم ذهب إلى النبى ليعلن إسلامه، هذا الذى كان يقول عنه أهل مكة «لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر».. إنها الحكمة التى رزقها عمر.

أما الوليد بن المغيرة الذى نظر إليه المكيّون ككبير الحكماء فقد ذهب واستمع إلى القرآن وكاد يؤمن برسالة السماء، لكن الهوى غلبه حين قال له المكيّون: لقد سحرك محمد يا ابن المغيرة، فإذا به ينقلب لينفى ما أثبته فى حق القرآن من أنه وحى من السماء ليقول: «إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ».. إنه الكبر.

وصدق الله العظيم إذ يقول: «ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتىَ خيراً كثيراً».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوعي والهوى الغلاب الوعي والهوى الغلاب



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 08:00 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 11:11 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

قمة "كوكب واحد" تكرس ماكرون رئيسًا لـ"معركة المناخ"

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 16:21 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ليفربول يودع جورجينيو فينالدوم برسالة مؤثرة

GMT 10:19 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

3 قلوب ينبض بها عطر "أورا" الجديد من "موغلر"

GMT 09:59 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مجدي بدران ينصح مرضى حساسية الأنف بعدم الخروج من المنزل

GMT 03:10 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الجلود في المغرب أصالة تبقى مع مرور السنوات

GMT 16:04 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر صحفي للشركة صاحبة حقوق بيع تذاكر المونديال

GMT 00:34 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مهاجم ليرس البلجيكي يطلب فرصة مع منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon