توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البال الخالي

  مصر اليوم -

البال الخالي

بقلم :د. محمود خليل

طرحت من قبل هذا السؤال: كم منا يعيش بنعمة: «خلو البال»؟.. وأجد أن ثمة حاجة للتذكير بالإجابة عنه.

«خلو البال» عنوان كتاب غزله يوسف إدريس فى القرن الماضى. ويشتمل على مجموعة من المقالات التى تجتهد فى تقديم إجابة عن السؤال اللغز: لماذا البال غير خالٍ؟.

المقال الرئيسى الذى يحمل الفكرة هو مقال «خلو البال». وفيه يتحدث عن حال الكثيرين من حوله، وأيضاً عن نفسه، ويتساءل: لماذا لا ينعم الجميع بخلو البال، كما ينعم به كثيرون فى بقاع متفرقة من أرض الله؟. يستدل الكاتب على ذلك بنموذجين لشاب وفتاة التقى بهما فى قطار بفرنسا.

الشاب لا يملك عملاً ثابتاً، بل يعمل كمترجم بالقطعة، ترك أسرته الثرية وآثر أن يعيش بمفرده، تزوج ثم طلق زوجته بعد عامين، وينعم معها الآن بعلاقة صداقة ودودة. يحلم بأن يكون ممثلاً، ورغم تعثر خطواته، فإنه سعيد بمواصلة المحاولة. هو دائماً سعيد، ولا يحمل للدنيا هماً، ويعيش ببال رائق.

أما الفتاة فعاملة فى بوفيه القطار الذى يمتطيه الكاتب. تخدم أكثر من 300 راكب، وتقابل الجميع بابتسامة حقيقية؛ تتلون بلون البهجة عندما ترتسم لشاب، وبلون العطف حين تتوجه لشيخ، وبلون البراءة حين تتجه نحو طفل. ابتسامة لا تعرف التصنع. إنها تبتسم رغم أنها سوف تترك عملها بعد شهر بالتمام والكمال. وعندما سألها الكاتب كيف ستتصرف؟ أجابته: أبحث عن عمل جديد. وهل عثرتِ عليه؟. بابتسامة مشرقة: لا.. لكننى واثقة أن الفرصة ستجىء.

الفوارق الواضحة بين الوجوه المشرقة بالابتسامة والألسنة المغردة بالألم داخل هذه المجتمعات والنقيض الذى يرسم وجه البشر فى حياتنا دفع الكاتب إلى التساؤل: ما السر فى خلو البال لدى هؤلاء وغيابه لدينا؟.

الإجابة بسيطة: إنه الأمل والثقة فى المستقبل.. فهم عكسنا مطمئنون إلى المستقبل. يقول الكاتب: «المستقبل هو مشكلتنا ومبعث قلقنا والغيوم المسدلة فوق أعيننا».

انشغال البال هو أصل مشاكلنا، وجوهر الإخفاق الذى نشعر به فى جنبات حياتنا. فصاحب البال المشغول لا يستطيع أن يتقن عملاً، أو يجوِّد منتجاً، أو يوجد حلاً لمشكلة، أو يتحمل المشاكل التى لا تخلو منها حياة إنسان، أو يطيق ضغوط غيره من البشر.

استحضر يوسف إدريس حدوتة شعبية لطيفة ليدلل بها على فكرته تحكى قصة نجار اعتلى «سقالة» بإحدى العمارات وأخذ يعمل بحرفية وإتقان، بينما يصدح صوته بغناء عذب وبصوت يشع بهجة وأنساً وأملاً. توقف أسفل منه رجل انبهر ببراعة صنعته وباله الرائق وسأله: صنعة أم خلو بال؟. فأخذ النجار يضحك على سؤاله الذى لا يملك له إجابة.

قرر الرجل وضع النجار فى اختبار. أرسل سلة تحمل لحماً ودجاجاً وألواناً مختلفة من الفواكه إلى زوجة النجار، وأخبرها أنه مبعوث بها من طرف الزوج. عاد النجار آخر النهار فاخترقت رائحة الطعام الشهى أنفه، واتسعت عيناه وهو ينظر إلى سلة الفواكه التى يراها أمامه. سأل زوجته: من أين لك هذا؟. أجابته: أنت الذى أرسلتها. رد: أنا لم أرسل شيئاً.. قامت القيامة داخل بيت النجار.

فى اليوم التالى مر الرجل على النجار فوجده شارد البال سارحاً تسقط قطع الخشب من يده، وقد انقطع غناؤه، واكتسى وجهه بالهم والغم والكرب العظيم. سأله من جديد: صنعة أم راحة بال؟. صمت النجار ولم يجب. أخبره أنه هو الذى أرسل سلة الطعام إلى منزله. لحظتها اطمأن النجار وهدأ وراق باله، وعاد يعمل بمهارته المعهودة مغرداً بصوته العذب.

الشاهد: «انشغال البال على المستقبل» أصل العلة فى المشكلات التى تحاصرنا. صاحب البال الخالى وحده الذى يتقن صناعة الحياة ويبرع فى حل مشكلاته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البال الخالي البال الخالي



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon