توقيت القاهرة المحلي 13:30:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدين والتنوير

  مصر اليوم -

الدين والتنوير

بقلم - محمود العلايلي

يتم إطلاق لفظ التنوير على أى تطور اجتماعى وسياسى مرتبط شرطا بالإصلاح الدينى الذى يتم التأسيس له. والحقيقة أن الكثيرين يبذلون فى هذا المجال جهودا كبيرة فى محاولات التغيير بالدخول فى تفاصيل الأحكام الدينية، أو بمحاولة دفع المؤسسات الرسمية للدولة لتبنى دعوتهم بإجراء هذه الإصلاحات.

والحقيقة أيضا أن هذه المجهودات لها جمهور من المؤيدين، ولكن أعدادهم لا تقارن بالمتدينين الذين تستنفرهم هذه الدعوات باعتبارها معادية للدين المألوف الذين يأنسون له ويتبعون أحكامه، وهو ما يجعل الجانب الرسمى الحكومى فى حرج من تبنى أى من هذه الدعوات حتى وإن كان البعض يرى نفعها السياسى، وذلك لأن عدد من الحكوميين لديهم هذا المزاج الدينى المحافظ من ناحية.

ومن ناحية أخرى هم محاطون بالقلق من الدخول فى معركة تعرّض إيمانهم للشكوك، أما على جانب ثالث فدعونا نسأل بوضوح: هل إذا تحققت كل أو بعض هذه الإصلاحات المستهدفة سيؤدى ذلك إلى تقدم المجتمع وتطوره؟.. إن الإجابة بلا مزايدة هى أن ذلك قد يؤدى إلى بعض التغيرات الإجرائية على مستوى بعض التشريعات، ولكن- من وجهة نظرى- لن يؤدى واقعيا إلى تغيرات فعلية على سبيل تطور المجتمع وتقدمه.

إن الإصرار على ربط التطور بتطويع الدين يعد استسهالا فى بعض الأحيان، كما يعد من قبيل الارتباك فى أحيان أخرى، لأن ذلك مثل من وقع منه شىء وضاع فى حجرة مظلمة بينما ذهب يبحث عنه فى الشارع المضىء، وذلك لأن معايير التطوير المعروفة هى الأخذ بالعلم والاهتمام بالصحة والتعليم فى إطار من الـتطوير السياسى والاقتصادى والاجتماعى تحت مظلة قانون صارم يساوى بين جميع المواطنين فى التشريع وفى التطبيق.

أما مسألة إرجاع كل مساوئ التخلف إلى الدين فمسألة تحتاج إلى المراجعة، لأن الاعتماد على الغيبيات والتواكل على المعجزات يعود إلى نوازع من العادات والتقاليد أكثر منها أمورا يحض عليها الدين، بينما إذا عدنا إلى ما يمكن أن يعطله الدين فى طريق التطور، فهو يتمحور حول ممارسات رجال الدين على مر العصور، فى محاولة لتثبيت سلطتهم على حساب السلطة السياسية وسيطرتهم على العامة بالفتوى حينا وبالتحليل والتحريم أحيان أخرى، بالإضافة إلى خطورة بعض التنظيمات السياسية التى تستخدم الدين كعنوان لتطلعاتها السياسية والسبيل للوصول لأهدافها، وهما أمران يحكمهما القانون إذا كان مستتبًا ومطبقًا على الجميع.

إن المجهودات المبذولة فى اتجاه ما نتفق على تسميته «التنوير» يجب أن تركز على ترسيخ العلم والتعليم، والابتعاد عن فكرة هز المعتقدات الدينية للمؤمنين، فعصر النهضة فى أوروبا كان حركة علمية وفلسفية وفنية مصحوبة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية، وشُرّعت القوانين التى أدت بالتالى إلى تحجيم دور الكنيسة السياسى وقصره على المسائل الدينية دون المساس بجوهر العقيدة المسيحية.

أما محاولة زعزعة الإيمان بالسخرية من المعجزات المرتبطة بالعقيدة، مثل شق البحر أو معجزة ميلاد المسيح وقيامته، أو معجزة الإسراء والمعراج، فذلك لن يزيد من أعداد المؤيدين للتجديد، كما أنه لن يشتت معسكر المؤمنين من كل الأديان، ولكنه يدفع لنقاشات جانبية لا تؤدى إلا إلى ضياع الوقت والمجهود فى وضعية لا تفيد إلا المستفيدين من التخلف والجمود.

ولكن التغيير الحقيقى يحتاج لتغيير فى المنطلقات وتحديد الهدف، لأن الارتكان إلى أن الدين عكس التنوير أو أن التنوير عدو الدين ما هو إلا تمييع للمسألة وتعتيم على الهدف، بينما الأعداء الحقيقيون للتطوير هم الممارسات السياسية والاجتماعية الغارقة فى التخلف والرجعية، إلى أن يشرّع القانون ويطبق على الناس بصفتهم مواطنين وليس بصفتهم جماعة من المتدينين، سواء كانوا من نفس الديانة أو من ديانات مختلفة، لندرك وقتها أن الإصلاح الدينى نتيجة تلقائية لتقدم المجتمع وليس سببًا أو وسيلة للتطوير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والتنوير الدين والتنوير



GMT 03:53 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأهرامات مقبرة «الرابرز»!!

GMT 03:51 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الشعوب «المختارة»

GMT 03:49 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

اللاجئون إلى رواندا عبر بريطانيا

GMT 03:48 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

المقاومة الشعبية والمسلحة

GMT 03:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

خطر تحت أقدامنا

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل

GMT 05:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تكشف عن كمية القهوة لحياة صحية مديدة

GMT 11:21 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

وزيرة الصحة المصرية تؤكد حرص مصر على دعم لبنان ومساندته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon