توقيت القاهرة المحلي 05:38:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فتنة برنارد شو

  مصر اليوم -

فتنة برنارد شو

بقلم - محمد المخزنجي

تقول الحكاية، إن ممثلة جميلة التقت في إحدى الحفلات بالكاتب الآيرلندي الساخر برنادر شو، وداعبته، أو راودته، أو تحرشت به - تبعاً للتعبير الرائج هذه الأيام - فقالت له وهي تتمايل وتضحك: «ألا يجدر بنا يا عزيزي أن نلتقي لننجب طفلاً يجمع بين جمالي وعبقرية عقلك». ورد عليها برنارد شو دون أن يضحك أو يميل: «حسناً، لكن ماذا لو أنه ورث جمالي أنا وعقلك أنت»!

بهذه النادرة افتتح العالم نك لين الفصل المعنون «التكاثر الجنسي - أعظم يانصيب في العالم» في كتابه اللامع «ارتقاء الحياة»، وقد أعقب هذه الحكاية بتعليق يرى فيه أن برنارد شو كان صائباً تماماً من وجهة نظر علماء الوراثة في تعليقه الساخر على الممثلة جميلة الشكل خفيفة العقل، فهم يرون في التكاثر الجنسي أفدح وسيلة باهظة التكاليف الحيوية في التكاثر، وأكثرها نشراً للعشوائية، مقارنة بالتكاثر غير الجنسي، فالتكاثر غير الجنسي، عُذرياً كان أو بالاستنساخ، ينتج عن مجموعة جينية من خلية واحدة، ويُعطي نتائج مضمونة المطابقة للخلية الأم المُختارة، بينما التكاثر الجنسي يقوم على خلط جينات خليتين بلا أي ضمان لنتائج هذا الخلط.

ودون أن يمنح الكاتب فرصة للرد البديهي على تساؤله، بالدفاع عن أهم فضائل التكاثر الجنسي الماثل في «التنوع الحيوي» ومردوداته الإيجابية، مضى قائلاً: «إن ذلك التنوع غير المحسوب الذي يُحدِثه التكاثر الجنسي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات البؤس والمرض ثم الموت. بينما الاستنساخ يحفظ توليفات جينية مُنتقاة، وغالباً ما يكون الرهان الأفضل»!

قبل التوقف بالنقاش أمام ذلك الرأي النابذ للتكاثر الجنسي والمُفضِّل للتكاثر اللاجنسي، لا بد من إنصاف فضيلة لدى العلماء الكبار رحيبي الأفق، والواضح تحلي الكاتب بها، فهو عالم مرموق في الكيمياء الحيوية، وقد صرح في الفصل الأخير من كتابه شديد الثراء والمثير للتفكير بـ«لقد سار هذا الكتاب على شفير المعلوم، وهو مليء بالآراء الشخصية التي تقف على حافة الخطأ. إنه احتفاء بما نعلمه، رغم كوننا غير معصومين من الخطأ».

والخطأ العام الذي يُرجَّح تفرع بقية الأخطاء منه، فيما ذهب إليه هذا الكاتب البارع والعالم الكبير، هو حسابه لارتفاع التكلفة الحيوية للتكاثر الجنسي - وهو بلا شك مكلف - دون مضاهاتها بعظمة النواتج، فلولا هذا التكاثر الذي يولِّف بين تركيبتين وراثيتين لينتج نسلاً جديداً بتركيبة وراثية مختلفة، ما كان هذا التنوع الذي يضمن استمرار النوع، سواء كان نباتاً أو حيواناً أو بشراً، فلو ظل كل نوع يتكاثر عذرياً أو بالاستنساخ، لظل كل أفراد النوع نمطاً متكرراً تكفي جائحة مرضية واحدة لتقضي عليه، وينقرض، وبتكرار ذلك مع بقية الأنواع، وهو احتمال منطقي تماماً، يتوسع الانقراض، وتُقفر الحياة.

وفيما يخص حسن ظنه العلمي بالتكاثر عبر الاستنساخ، فإن أقرب رد عليه هو استعادة تراجيديا النعجة دوللي، فهذه المسكينة الصغيرة المُستنسَخة، التي شدَّت أنظار العالم إليها في يوليو (تموز) 1996، ماتت وهي في عمر الطفولة بمجموعة من أمراض الشيخوخة أجبرت مستنسخها العالم الأسكوتلندي إيان ويلموت على قتلها «قتلاً رحيماً»، إشفاقاً عليها من الآلام الساحقة التي كانت تعانيها، والتي كانت ستنتهي حتماً بالموت. وقرر بعدها أنه لن يعود إلى الاستنساخ أبداً!

أما حكاية «العشوائية» التي توصم بها نتائج التوليف الوراثي بالتكاثر الجنسي، فترد عليها حكاية كان بطلها العالم جورج فالد الحائز جائزة نوبل في الطب عام 1967، فقد توجهت إليه منظمة مريبة تسمى «بنك نوبل للحيوانات المنوية» تسعى لاستثمار أمشاج الفائزين بنوبل لاستنسال جيل من العباقرة، فرفض التعامل مع القائمين عليها قائلاً: «ربما كنتم بحاجة لأناس مثل أبي الذي كان خياطاً بسيطاً من المهاجرين الفقراء، ولم يكن يفكر أبداً أنه سيخرج من صلبه ينبوع للعبقرية. ثم إنني أنجبت ولدين لم يصيرا إلا مُجرَّد عازفي غيتار عاديين».

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتنة برنارد شو فتنة برنارد شو



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

هيفاء وهبي بإطلالات باريسية جذّابة خلال رحلتها لفرنسا

القاهرة - مصر اليوم
  مصر اليوم - موناكو وجهة سياحية مُميّزة لعشاق الطبيعة والتاريخ

GMT 04:13 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران
  مصر اليوم - الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران

GMT 16:28 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين
  مصر اليوم - أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
  مصر اليوم - فولكس واغن أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 00:48 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

محمد رمضان يتصدر مؤشرات محرك البحث "غوغل"

GMT 23:26 2020 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

السنغال تُسجل 21 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 11:27 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

مجلة دبلوماسية تهدى درع تكريم لسارة السهيل

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

خطوات تضمن لكٍ الحصول على بشرة صافية خالية من الشعر

GMT 16:39 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الحكومة المصرية تحصل على منح بـ 635 مليون جنيه

GMT 05:48 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

جوني ديب يقرر الزواج من راقصة روسية

GMT 13:34 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي لدول المتوسط يصنّف الأفضل لعام 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon