توقيت القاهرة المحلي 03:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطبقة الوسطى وثمن الإصلاح

  مصر اليوم -

الطبقة الوسطى وثمن الإصلاح

بقلم - عماد جاد

تسبب الإجراءات التى تتخذ إبان مراحل التحول الاقتصادى والسياسى آلاما شديدة للغالبية الساحقة من المواطنين، عادة ما تشهد هذه الفترة إجراءات من قبيل تحرير سعر صرف العملة المحلية والتى عادة ما تفقد الكثير من قيمتها أمام العملات الأجنبية، ومن ثم تشهد البلاد موجة من الغلاء وارتفاع الأسعار، تليها مرحلة رفع فورى أو تدريجى للدعم الذى كانت تقدمه الدولة لبعض المواد مثل الطاقة والمياه، وهو أمر يرتب موجة جديدة من التضخم وارتفاع الأسعار يعانى منها القطاع الأوسع من المواطنين. يجرى تبرير هذه القرارات بأنها ضرورة ملحة للحفاظ على الدولة ومواجهة ظاهرة العجز المتراكم فى الموازنة، وأيضا كمدخل لسياسة إصلاح اقتصادى شامل سوف تؤتى بثمارها فى القريب العاجل.

أيضا تكشف تجارب التحول الديمقراطى فى بلدان عديدة أوروبية وآسيوية ولاتينية عن أن هذه العملية غالبا ما تكون صعبة وتولد آلاما وصعوبات مركبة، كما أنها قد تتعرض لانتكاسات فى منتصف الطريق، وأنها فى مجمل الأحوال تستغرق فترة زمنية حدها الأدنى عقد من السنوات وقد تطول عن ذلك كثيرا. ومن هنا يمكن القول بأن الدول فى طريق تحولها من نظام سلطوى، استبدادى أو ثيوقراطى (أى حكم دينى) إلى نظام ديمقراطى تمر بعملية مخاض طويلة تصاحبها آلام شديدة وتضحيات أيضا، وتختلف طول المرحلة الانتقالية وكم التضحيات ودرجة الألم من دولة إلى أخرى لاعتبارات عديدة منها درجة نضج ووعى الشعوب، مدى قوة ومتانة مؤسسات الدولة، طبيعة من يتولى إدارة المرحلة الانتقالية. حسب تفاعل هذه العوامل معا تتحدد طبيعة المرحلة الانتقالية، مدتها، الثمن المدفوع ودرجة الألم. المؤكد أن شعوب عدة دفعت أثمانا باهظة فى طريق انتقالها من النظم السلطوية إلى الديمقراطية وأن شعوب أوروبا دفعت ثمنا باهظا لتقلص من دور الكنيسة وتنزع القداسة عن الحكام، وقعت ثورات سالت فيها دماء وقطعت فيها رقاب.

كان بالإمكان بدء مرحلة الإصلاح الاقتصادى والتحول السياسى فى مصر مباشرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ولكن عدم وجود أحزاب سياسية مدنية قوية، والتواجد القوى لجماعة الإخوان على الأرض، أدخل البلاد فى دوامة عطلت بدء عملية الإصلاح ورفعت من ثمنها، بل كادت تدفع بالبلاد نحو حالة من الفوضى الشاملة والاقتتال الأهلى. جاءت ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ فبدأت المرحلة الانتقالية بثمن مرتفع وآلام أكثر وطأة.

اليوم ونحن نمر بأصعب فترات تحمل ثمن أو ألم المرحلة الانتقالية، مطلوب حكمة شديدة من قبل من بيدهم مقاليد الأمور، مطلوب حساسية شديدة لأنين الألم الصادر من قطاعات واسعة من المصريين باتت تئن من وطأة آلام مرحلة التحول، موجات الارتفاع المتتالية فى الأسعار وارتفاع معدلات التضخم وسرعة إيقاع رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، الأمر الذى يضاعف من آلام مرحلة التحول فى مصر. نعم القرارات التى اتخذت كانت ضرورة لابد منها، لكن ما هو ليس بضرورى بل وضار للغاية هو تحميل الطبقة الوسطى بمفردها ثمن سياسات الإصلاح، دون الشرائح العليا من هذه الطبقة ناهيك عن الطبقة العليا بشرائحها الأمر الذى ينذر بتآكل الطبقة الوسطى، العمود الفقرى لاستقرار المجتمع وتوازنه. مطلوب قدر من العقلانية والإدارة السياسية الإنسانية لمرحلة التحول التى تمر بها البلاد حتى تسير نحو الهدف المنشود بأقل قدر من الصعوبات والآلام وأيضا الخسائر.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطبقة الوسطى وثمن الإصلاح الطبقة الوسطى وثمن الإصلاح



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل

GMT 05:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تكشف عن كمية القهوة لحياة صحية مديدة

GMT 11:21 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

وزيرة الصحة المصرية تؤكد حرص مصر على دعم لبنان ومساندته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon