توقيت القاهرة المحلي 20:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثقافة فى خط الدفاع الأول

  مصر اليوم -

الثقافة فى خط الدفاع الأول

بقلم - محمد بغدادي

«مواجهة الإرهاب ليست أمنية فقط».. هذا ليس كلامى ولكنه كلام الرئيس السيسى.. قاله فى اجتماعه الشهرى منذ عامين حين أشار إلى أن:

«مواجهة الإرهاب ليست مواجهة أمنية فقط، وإنما هى مواجهة شاملة تتضمن مواجهة الفقر والجهل، وخطابا دينيا متجددا، قادرا على أن يتعامل مع الأفكار المشوشة والمغلوطة، وأن الجهود التى تبذل لتجديد الخطاب الدينى غير كافية حتى الآن، وأن جهود مؤسسة الأزهر لتجفيف منابع الإرهاب غير كافية أيضًا، ونحتاج لأن نتحرك فى هذا الملف أكثر من ذلك وأسرع، ويجب أن يشارك فى هذا الملف المثقفون والمفكرون».. وكان الرئيس السيسى قد نبَّه إلى ذلك من قبل فى احتفال ليلة القدر.. وقال مخاطبا علماء الأزهر: «إنكم ستسألون يوم القيامة عن تقصيركم فى تجديد الخطاب الدينى».. بينما ما نحتاجه حقيقةً تجديد الخطاب الثقافى.

والتغيير بقدر ما يحتاج إلى إرادة سياسية يحتاج أيضا إلى استعداد ورغبة من جهاز الدولة الثقافى لإحداث هذا التغيير.. ولكن هناك مقاومة ملحوظة ضد التغيير.. تتمثل فى: (قلة الكفاءة- وغياب الشفافية- وعدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب- وضآلة الإمكانيات المادية).. وهى أسباب كفيلة بإعاقة العمل الثقافى.. لذلك لابد من فكر جديد يقود الثقافة المصرية.. بعيدا عن النمط التقليدى الذى اعتادت عليه الأجهزة الثقافية.. دون وضع استراتيجية شاملة للعمل الثقافى.. وهذا ليس تقليلا للجهود المبذولة.. ولكن مع احترامى لكل القيادات الثقافية.. إلا أنها تعمل فى غياب منظومة ثقافية تسعى لتحقيق أهداف قومية محددة.. تخدم خطط التنمية الشاملة والمستدامة.. وإذا كان المثقفون تقدموا الصفوف فى 30 يونيو لإسقاط جماعة الإخوان.. فلابد لنا من ثورة ثقافية قادرة على التخلص من النمط التقليدى للتعامل مع ملف الثقافة المصرية.. لوضع مشروع لثقافة المستقبل.. ويسهم فى وضع رؤاه وصياغته مجموعات مستنيرة من المثقفين والمفكرين المتخصصين فى شتى مجالات المعرفة من ذوى الكفاءات من مختلف الأجيال.. وهذا ما أشار إليه الرئيس فى كلمته حين قال: «... نحتاج لأن نتحرك فى هذا الملف أكثر من ذلك وأسرع، ويجب أن يشارك فى هذا الملف المثقفون والمفكرون».. ولكننى أستطيع أن أقول إن هناك إقصاء للمثقفين والمفكرين عن المشهد الثقافى.. على مستوى التخطيط والرؤى.. صحيح أنه يتم استدعاؤهم فى شتى الاحتفاليات لاستكمال مظاهر (الزينة) فى هذه المناسبة أو تلك الفعالية.. ولكن لا توجد إرادة ثقافية للمشاركة الحقيقية.. فموظفو جهاز الدولة الثقافى يحتكرون التفكير والتخطيط وإقامة الفعاليات والإشراف عليها.. وهذا بحكم وظائفهم.. فلديهم يقين بأن هذه الأجهزة ملك لهم.. وهم وحدهم يمتلكون الحقيقة المطلقة.

ومن الملاحظ أن كل وزراء الثقافة الذين جاءوا بعد 25 يناير 2011 بعد أن حلفوا اليمين، وفى أول مؤتمر صحفى أعلنوا جميعهم أن توجيهات السيد الرئيس لهم هى: «الاهتمام بالهيئة العامة لقصور الثقافة».. وهذه ليست مجرد صدفة.. إنه يعنى ما يقول.. فهيئة قصور الثقافة تمتلك حوالى 650 موقعا ثقافيا على امتداد الجمهورية.. وهى تمثل رئة الثقافة التى يجب أن يتنفس من خلالها المواطنون.. ولكن هناك تضخما غير معقول فى عدد العاملين الذى بلغ 35 ألف موظف وإدارى ومحرك ثقافى.. وأن نسبة الإداريين إلى المحركين الثقافيين (1: 7) أى أن كل كادر ثقافى يوجد فى مواجهته 7 إداريين لإعاقة العمل الثقافى.. ليس تعمدا أو نكاية فى المثقف.. ولكن اللوائح والقوانين البيروقراطية أعطتهم هذا الحق بامتياز.. إذن فمهمة أى وزير ثقافة ليست سهلة.. وهذا ما أعلنته على سبيل المثال الدكتور إيناس عبدالدايم بعد حلفها لليمين حيث أعلنت:

«إن الحمل ثقيل.. لكنى سأبذل أقصى جهدى للارتقاء بالثقافة المصرية فى فترة مفصلية من تاريخ مصر»، فوزارة الثقافة حظيت بأعلى نسبة تغييرات وزارية منذ 2011 حتى 2018، إذ تعاقب عليها تسعة وزراء منهم وزير تولى الوزارة مرتين (د. جابر عصفور).. ووزير آخر تولاها ثلاث مرات (د. صابر عرب) أى أن الوزارة حدث بها 11 تغييرا وزاريا فى سبع سنوات فقط.. أى بمعدل وزير كل سبعة أشهر ونصف.. وهذا فى حد ذاته أمر خطير للغاية.. فكل وزير يأتى لا نعلم لماذا أتى!! ولماذا ذهب!!.. وكأنهم وزراء تسيير أعمال.. فوزير الثقافة هو الوزير الوحيد الذى يعمل على الهواء مباشرة.. وكل المثقفين والإعلاميين والجمهور يجلسون فى استوديو التحليل لتقييم أعماله.. أو بمعنى أدق لانتقاد أعماله!! فهو وزير (أون لاين).. لأن الجمهور المستهدف لدى كل وزراء الثقافة، فضلا عن المواطن العادى، هم كل المثقفين والفنانين والمبدعين والكتاب والأدباء والإعلاميين.. وكل هؤلاء لديهم قنوات اتصال مفتوحة مع وسائل الإعلام.. أما المشكلة الكبرى التى تواجه العمل الثقافى فى مصر فهى ضآلة ميزانية الوزارة.. فوزارة الثقافة وزارة خدمية ليست لها موارد.. فإذا كانت الثقافة تقع فى خط الدفاع الأول لمواجهة الأفكار المتطرفة.. فإن الوظيفة الأساسية للفن والثقافة والإبداع هى تفكيك بنية الفكر الإرهابى.. حتى يمكننا تجفيف منابع هذا الفكر المتطرف المنتشر فى القرى والنجوع.. والجهاز المنوط به هذه المهمة هو الهيئة العامة لقصور الثقافة التى لديها 650 موقعا ثقافيا على مستوى الجمهورية.. وهذه الهيئة تحتاج إلى ثورة شاملة لتؤدى مهمتها على الوجه الأكمل.. وفقا لاستراتيجية ثقافية شاملة.. ولكن لو ألقينا نظرة سريعة على نصيب وزارة الثقافة فى الموازنة العامة للدولة.. فنحن حقيقة فى مأساة.

حيث بلغت ميزانية الثقافة خلال عامى 2014/2013 مليارا و439 مليونًا جنيه مصرى.. بواقع 0.23% من إجمالى الميزانية العامة للدولة.. وارتفعت ميزانية الوزارة فى العام المالى التالى 2014/2015 بشكل طفيف لتصل إلى نحو مليار و475 مليون جنيه.. والتى مثلت نسبة 0.24% من الميزانية العامة للدولة.. وهذه المبالغ الضئيلة يذهب 90% منها للأجور والرواتب.. وما يتبقى لممارسة الأنشطة وخدمة الجمهور ثقافيا بالكاد يتجاوز 10% من هذه المبالغ على مستوى الجمهورية.. أى أن نصيب الفرد الواحد من الخدمات الثقافية حوالى 11 قرشا فى العام كله.

أما نصيب الثقافة فى ميزانية عام 2019/2018 فهو رقم مثير للدهشة.. فمكونات البند الثامن فى الموازنة العامة يأتى تحت عنوان «الشباب والثقافة والشؤون الدينية».. ويندرج تحته:

«وزارة الشباب والرياضة بمديرياتها- وزارة الثقافة- البيت الفنى للمسرح والمركز القومى للسينما- والمجلس الأعلى للآثار- هيئة قصور الثقافة- الهيئة العامة للاستعلامات- مكتبة الإسكندرية- دار الكتب والوثائق- الهيئة الوطنية للصحافة- وزارة الأوقاف ومديرياتها- الأزهر الشريف».. وكل هذه الوزارات والمؤسسات نصيبها من الموازنة العامة 2% بالرواتب والأجور والإنشاءات والأنشطة.. و.. إلخ.. وهى أقل نسبة فى كافة الخدمات الأخرى.. على مستوى كافة أجهزة الدولة.. فكيف لنا أن نواجه الإرهاب.. ونجفف منابعه.. ونفكك بنية الفكر المتطرف فى القرى والنجوع.. بهذه الميزانية الضئيلة.. وللإجابة عن هذا السؤال فللحديث بقية.. إن كان فى العمر بقية.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة فى خط الدفاع الأول الثقافة فى خط الدفاع الأول



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:59 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس
  مصر اليوم - أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 13:37 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

افتتاح مطعم وجبات خفيفة أثري في إيطاليا

GMT 08:36 2021 الخميس ,14 تشرين الأول / أكتوبر

خبير ديكور يوضح الفرق بين الحجر الطبيعي والحجر الصناعي

GMT 16:31 2021 الأربعاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"AZZI & OSTA" تطلق تشكيلتها الجديدة

GMT 23:47 2021 الأربعاء ,18 آب / أغسطس

"Dior Baby" تكشف عن مجموعتها لموسم خريف شتاء 2021-2022

GMT 23:17 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

​المصري يبحث التعاقد مع حارس مرمى في كانون الثاني

GMT 03:00 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

فتاة توجه نصيحة للمصريين بعد إصابة 12 فردًا من أسرتها بكورونا

GMT 21:54 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات لاستخراج بدل فاقد لبطاقة التموين فى مصر إلكترونيا

GMT 22:12 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

الأسهم الباكستانية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 22:31 2020 الثلاثاء ,28 تموز / يوليو

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الثلاثاء 28 يوليو

GMT 09:35 2020 السبت ,25 تموز / يوليو

غاريث بيل يضع شرطًا للرحيل عن ريال مدريد

GMT 10:49 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

تعرف على عمر هالة فاخر في عيد ميلادها

GMT 06:42 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

طريقة إعداد الدجاج على الطريقة التركية

GMT 11:54 2020 الأحد ,17 أيار / مايو

بريشة : علي خليل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon