توقيت القاهرة المحلي 16:07:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«صراع النفوذ» على هامش غزة

  مصر اليوم -

«صراع النفوذ» على هامش غزة

بقلم - جمال الكشكي

قال محدثي إن النظام العالمي قبل يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كان يتعايش ويتكيف مع إيقاع الحرب الروسية - الأوكرانية، وكانت هناك مناورات سياسية حول الملف النووي الإيراني، ولم تكن خرائط العالم عُرضة للخطر بهذه الدرجة، كما يجري الآن؛ فرغم وقوع حرب عرضية يوم 15 أبريل (نيسان) 2023 في السودان، بين فريقين مهمَّين في المشهد السياسي السوداني، فإن هذه الحرب لم تضرب أوتاد النظام الدولي، مثلما فعل يوم السابع منذ أكتوبر عام 2023، وحرب إسرائيل التالية على غزة المستمرة منذ قرابة 4 أشهر.

قلت لمحدثي: معك حق؛ فهذه ملاحظة تستحق التأمل والقراءة بعمق... ماذا حدث في غزة؟ وما الذي أحدثته الحرب على غزة من أصداء وارتدادات وموجات ومعارك مجهَّزة لإعادة تأهيل النفوذ على المسرحين الإقليمي والدولي؟

ما حدث في الحرب على غزة هذه المرة لم يكن يشبه أيّاً من الحروب التي قرأنا عنها في السابق، أو عايشناها فيما بعد، وإن كانت قريبة الشبه إلى حد ما بقصف المدن الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها تفوقت عليها؛ نظراً لتغير قواعد الحرب وأدواتها الحديثة، ففي هذه الحرب، تم ارتكاب كل ما هو محرَّم ومجرَّم وفق القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني، أو اتفاقيات جنيف الأربع. لقد عادت إسرائيل في هذه الحرب إلى ما قبل عام 1948، عندما كان قصف المدنيين والمدن والمجازر الوحشية، أمراً متاحاً أثناء الحروب الكبرى، الذي تسبب في وجود قانون دولي إنساني يمنع هذا الأمر ويعدّه إبادة جماعية، فوجدنا تدميراً للمستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة والمؤسسات الدولية، وقطع الاتصالات، وإغلاق الطرق، ومنع المساعدات، وإشاعة الجوع والفوضى، والتهجير القسري من المنازل إلى الأماكن غير الآمنة.

ما كنت أتوقع، ونحن في القرن الحادي والعشرين، أن تأتي الحرب بهذه الضراوة والقوة، وتمزق كل أوراق القوانين والمواثيق الدولية، وتضرب عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتستهين بـ«محكمة العدل الدولية»، و«المحكمة الجنائية الدولية». هذا ما حدث ويحدث في قلب مختبرات الحرب على غزة.

هذه الصورة تمثل خطراً كبيراً لتشريعها قواعد قتالية جديدة في الحروب، لكن الأكثر خطراً هو ما أحدثته هذه الحرب من صدى وموجات ارتدادية وتصدعات استراتيجية، في الإقليم، وما بعد الإقليم.

فلو تجولنا في نهر هذه الارتدادات، وفتحنا الخرائط أمامنا، فسنجد إشارات حمراء تستوقفنا؛ فعلى سبيل المثال نتوقف أمام لبنان الذي كان أولى الجبهات التي وصل إليها صدى الحرب على غزة، فاندفعت في اليوم الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى الانخراط في الحرب من دون معرفة إلى أين ستنتهي الطريق؟!

بالطبع، التوقيت لم يكن في صالح لبنان، الذي كان مشغولاً بإعادة ترتيب البيت من الداخل، وإجراء الاستحقاقات الدستورية التي تأخرت كثيراً، لكنه وجد نفسه قيد تصرفات هذه الحرب وتداعياتها، وبات لبنان رهينة لمعطيات دولية وإقليمية أكبر من قدرته الجيوسياسية.

ارتداد آخر لهذه الحرب نسمع دويه في البحر الأحمر؛ أحد أهم شرايين التجارة العالمية، فقد بات البحر الأحمر مسرحاً جديداً للخطر، استدعى أساطيل دولية، مما خلق حالة توتر إقليمي ودولي مرشحة للاتساع، لا سيما أن بعض القوى ترى في هذا التوتر فرصة واختباراً وتجريباً، لإعادة تأهيل نفوذها على المسرحين الإقليمي والدولي، ومن ثم، فإن هذه القوى ترى أن من مصلحتها استمرار التوتر واتساع دائرة القلاقل فرصةً للاستحواذ على مكانة دولية في نظام عالمي جديد يتشكل الآن.

لكن أيضاً إذا ما امتدّت طريق الخطر على استقامتها؛ من البحر الأحمر إلى بلاد الشام وبلاد الرافدين، فسنجد بصمات هذه الحرب واضحة، فالهجوم الإسرائيلي شبه اليومي على الأراضي السورية، أو اغتيال حلفاء سوريا على أراضيها، يعيد تسخين جبهة قديمة تتجدد بصورة وقواعد تنطلق من متن الحرب على غزة، وكأن إسرائيل ترسل رسالة؛ بأن نفوذها يمتد أبعد من وجودها وكيانها، وأنه يمكنها مواصلة حروبها بنفس قواعد الحرب على غزة، وتمثل ذلك في قصف الأماكن السكنية وقتل المدنيين على الأراضي السورية.

إذن تل أبيب تريد تعميم نسخة الحرب على غزة لتأكيد نفوذها الذي اهتز في السابع من أكتوبر الماضي. أيضاً صدى الحرب وصل إلى العراق؛ فقد شهدنا اشتباكات بين جماعات عراقية رافضة لوجود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبين قواعد التحالف العسكرية الموجودة على أراضي العراق، وصولاً إلى ذروة حادثة قصف أربيل في شمال العراق التي اعترفت بها إيران، دفاعاً عما سمته أمنها القومي، وقد اعترض العراق رسمياً، رغم تحالفه الاستراتيجي مع إيران، هذا ما حدث في غرب إيران. أما في شرقها فقد قصفت إيران «جماعة العدل» البلوشية الموجودة على الأراضي الباكستانية، وردَّت باكستان بقصف جماعات بإقليم سيستان بلوشستان الإيراني.

إذن، نحن أمام أصداء وارتدادات عنيفة آتية من أصوات الحرب على غزة، ينطلق جوهرها من فلسفة ترمي إلى بسط النفوذ، وإعادة تأهيل مساحات القوة لدى أطراف مختلفة تحاول ترتيب مصالحها في المستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صراع النفوذ» على هامش غزة «صراع النفوذ» على هامش غزة



GMT 03:48 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

قلنا: تفكير.. قالوا: تحصين وتكفير

GMT 03:47 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

فتح ملف الصناعة (١) «القانون هو الحل»

GMT 03:45 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

حسام حسن غلط فى دوري!!

GMT 03:36 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

د. أسامة السعيد.. هل يصبح خليفة سعيد سنبل؟!

GMT 03:25 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

«الجن» برىء من الحرائق

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:09 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

«عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024
  مصر اليوم - «عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024

GMT 19:30 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة إعداد ورق عنب مع كوسا وريش

GMT 08:40 2014 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

التونة والدجاج تساعدان في زيادة خصوبة الزوجين

GMT 08:42 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريم البارودي تبدو أنيقة في بدلة وردية اللون

GMT 05:38 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور محمود الموجي يُبيّن أسباب رائحة الفم الكريهة

GMT 20:55 2014 الخميس ,14 آب / أغسطس

استقرار اﻷوضاع اﻷمنية في شوارع الأقصر

GMT 05:44 2015 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مربى التفاح بالقرفة

GMT 16:29 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شركة سكودا تطلق الجيل الجديد من موديل سوبيرب

GMT 11:12 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

حمو بيكا يدعم طفلة مريضة سرطان ويقدم لها هدية

GMT 16:42 2021 السبت ,12 حزيران / يونيو

فساتين صيفية بتصميمات مُريحة من وحي النجمات

GMT 17:36 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

تراتيل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon