توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العالم القديم يتآكل

  مصر اليوم -

العالم القديم يتآكل

بقلم - جمال الكشكي

من ينظر بإمعان إلى ما يجري في خرائط العالم الآن، سوف يتأكد أن العالم القديم بات يتآكل برمته، والعالم القديم الذي أعنيه هنا، هو عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ذلك العالم الذي قام على ما يسمى القواعد والقوانين الدولية، وبناء الأمم المتحدة، وحق الشعوب في تقرير المصير، ومنع الحروب الشاملة، كما جرى في الحرب العالمية الثانية.

هذا العالم أصبح الآن من الماضي، فلا القواعد تطبق، ولا القوانين تنفذ، وقد اتسعت رقعة الحروب المتتالية في أكثر من مكان في العالم، والحروب هي إحدى وسائل السياسة، لكنها لم تعد كذلك الآن، بل أصبحنا أمام مفهوم جديد بعنوان: «الحرب للحرب»، مثل مدارس الفنون التي ظهرت في وقت سابق، وأطلق عليها «الفن للفن»، لكن الأخطر هنا أنه فن قاتل.

لو طبقنا هذا المفهوم على خرائط العالم، فسنجدها متحققة في أكثر من جغرافيا، ولو نظرنا إلى الحد الفاصل بين أوروبا وآسيا، حيث المسرح الأوكراني، فسنجد أن الحرب الروسية - الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير (شباط) 2022، اندلعت بسبب استعادة مفهوم الحرب الباردة.

روسيا تشكو من التدخل الشامل من الغرب الأوروبي - الأميركي، في ترتيب البيت الأوكراني من الداخل، ففي البداية ساعدوا في إشعال ثورة ملونة على الأراضي الأوكرانية، وغيّروا من بنية النظام الحاكم الموالي لروسيا آنذاك، وفي النهاية كان هناك قرار، ولا يزال، بمحاولة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو ما أشعر روسيا بالخطر، ومع الضغط في هذا الاتجاه، وجدت روسيا نفسها تخوض حرباً، ليست تنتمي إلى مفهوم الحرب بوصفها أداة من أدوات السياسة، بل تنتمي إلى مفهوم الحروب التي من دون ضفاف، أو الحروب المنسية!

بعد أكثر من عامين، تشتعل الحرب بين البلدين من دون أمل في إيقافها، فالهدف هنا أبعد من أهداف الحروب القديمة، ونتج عن ذلك أن تحرك الخطر الكامن باستخدام الأسلحة النووية، وتوسيع الاصطدام الجغرافي، كما رأيناه في الزيارة التاريخية، التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية، وفيتنام، وتوقيع اتفاقيات غير مسبوقة، تتعلق بالدفاع المشترك.

هذه الزيارة أيقظت المارد النووي بحراً وبراً وجواً وفضاءً في العالم، ففور الإعلان الروسي بتحريك هذه الأسلحة الاستراتيجية، تحركت معها أميركا وحلف الناتو، للإعلان عن قواتها ومواصلة سياستها في أوكرانيا، وفي مناطق نفوذها الجغرافي، ورأينا تحرك الأساطيل الأميركية نحو حليفتها كوريا الجنوبية، في أعقاب زيارة الرئيس الروسي، في رسالة بأن الحرب المفتوحة مستمرة.

إذا أعدنا تطبيق المفهوم نفسه لهذا النوع من الحروب، فنجده يطابق ما يجري في السودان، فالحرب اندلعت في 15 أبريل (نيسان) 2023، ولا تزال مشتعلة، بل تزداد توسعاً، ودخلت دائرة الحرب المنسية، أو المفتوحة، أو التي من دون هدف، ومن دون ضفاف، بل بات السودان ساحة للاستقطاب الدولي، للقوى نفسها الجوالة المتصادمة في جغرافيا أخرى، بل الأكثر خطورة أن السودان بات ميدان رماية، لأسلحة تضخها مصانع عالمية، تجد ضالتها في هذا الميدان.

غير أن الخطر الأكبر يكمن في أن نسيان الحرب في السودان، قد يجعلها «خميرة» لحروب أوسع في القارة السمراء، أو إقليم الشرق الأوسط، وهنا أتساءل: كيف لبلد مثل السودان استمرت فيه حرب أهلية أكثر من ثلاثين عاماً أن يعود إلى المسار الخطير نفسه؟ كان يجب أن يتعلم من الدروس، ويستعيد عافيته لكل أبنائه، لكن مخطط الحروب المفتوحة «المنسية»، وقع على السودان، ولعل السودان الشقيق يدرك في لحظة ما، خطورة مفهوم الحرب المنسية، ويخرج منها بسلام.

واستقبل العالم خطراً جديداً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد اندلعت حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في قطاع غزة، لتأخذ أبعاداً عالمية، تشتبك فيها كل القوى الدولية والإقليمية، وتستدعي الأديان والعقائد، وتستدعي الاستقطابات الكبرى، حيث رأينا الولايات المتحدة، وأوروبا تتبنيان الرواية الإسرائيلية، ورأينا أن هذه الرواية، تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني خارج أراضيه الأصلية.

كان هذا التبني الغربي للرواية الإسرائيلية، خطراً داهماً، فقد جعل إسرائيل تتجاوز كل الخطوط الحمراء في الحروب السابقة، وتقوم بارتكاب إبادة جماعية، وتدمير البنية الأساسية للشعب الفلسطيني، وتعتدي على ذلك النظام العالمي، الذي سميناه نظام «القواعد والقوانين».

ومن ثم، فإن هذه الحروب ضربت جدران نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وشطبت مفهوم الحرب أداة للسياسة، وتبنت مفهوم الحروب المفتوحة، أو الحرب التي من دون ضفاف، أو الحروب المنسية.

إذن، وسط هذا المفهوم الخطر للحروب المفتوحة، فإنني أرى خرائط العالم القديم تتآكل بشكل متلاحق، بل وتنذر بخطر جسيم، ربما تندلع معه ما يسمى «الحرب العالمية الثالثة»، وهي حرب لا يمكن أن تقاس بأخرى في السابق، وعلى ذلك فإن شعوب العالم وخرائطه، لا يمكن لهما الاستقرار من دون نظام عالمي يؤمن بالقواعد والقوانين، والتعدد الثقافي والديني والعرقي من دون تمييز، فلقد انتهت صلاحية عالم القطب الواحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم القديم يتآكل العالم القديم يتآكل



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt