توقيت القاهرة المحلي 12:45:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طه حسين.. النور الدائم

  مصر اليوم -

طه حسين النور الدائم

بقلم - جمال الكشكي

هذه الأيام، تمر الذكرى الخمسون على رحيل واحد من أهم العقول المصرية والعربية، في تاريخ التنوير.

رجل ترك بصمة - لا تخطئها عين التاريخ ـ على الآفاق، الثقافية والإبداعية.

أتحدث عن الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، الذي جاء من المستقبل ليضيء لنا كل هذه الدنيا، بثقافاته وعلومه، بات ملهماً لكل شعوب العالم، قهر الظلام، وصاغ مؤلفه الأهم «مستقبل الثقافة في مصر».. تجاربه فاضت على كل مؤرخي ومثقفي العالم، لدرجة أنه صار جزءاً أصيلاً من النسيج الثقافي الذي أنتجه العالم خلال حقبته، التي امتدت قرابة القرن.

منذ ولادته كان مختلفاً عن كل إخوته الأشقاء الاثنى عشر، لم يولد كفيفاً، لكن محيط المجتمع المصاب بأمراض، أصاب بسهمه في عينيه ليعيش وحده مع ذاكرته مع عالمه الجوّاني، مع خيالاته مع الألوان، قرر أن يقهر العزلة، وأصبح العالم مرئياً أمام قدميه، وهنا أتذكر ما قاله الشاعر العربي الكبير نزار قباني في رثائه: «ارمِ نظارتيْكَ ما أنتَ أعمى.. إنما نحن جوقةُ العميانِ».

لم يكن عميد الأدب العربي عقلاً عادياً، فرحلته التراجيدية لا تقل عن روايات الملاحم اليونانية المأساوية، كالإلياذة، والأوديسة، وقد خبرها طه حسين بالقراءة الفاحصة والمعرفة الدقيقة، واستلهمها في حياته، وألهمها لطلابه في الجامعة، ولا تزال بصماته حاضرة في مدرجات كل جامعات العالم التي حاضر فيها، ولدى تلاميذه الذين ساروا في الدرب نفسه، وفي كل مدينة عربية، يوجد له دليل من هؤلاء التلاميذ.

نعم، طه حسين كان قولاً وفعلاً، حلم بالثقافة لجميع الناس، وآمن بأن التعليم كالماء والهواء، كان هذا هو القول، أما الفعل، فإنه نفّذ كل قولٍ وكل كتابةٍ واقعياً حين صار وزيراً للمعارف، هذا غير أنه صاغ مؤسسات، وحقق تراثاً ما كان لغيره أن يفعله.

كان طه حسين فخراً للثقافة العربية والإسلامية في قلب مراكز الثقافة العالمية، كان صديقاً ومحاوراً لكبار مثقفي عصره، في إيطاليا وفرنسا واليونان وإسبانيا، جعل الثقافة العربية تحتل مقعداً وثيراً بين مقاعد الكبار في عواصم العالم.

شاء القدر أن يولد طه حسين في العام 1889، ذلك العام الذي ولد فيه اثنان من عمالقة الأدب هما؛ عباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وكثيراً ما ترد على الذهن العام المقارنة بين العقاد وبين طه حسين، ولد في صعيد مصر، كما العقاد تماماً، وكلاهما حاول أن يجعل من الثقافة جسراً إلى الحضارة، فإذا كان عميد الأدب العربي، فقد بصره في الرابعة من عمره، فإن العقاد أيضاً لم يقضِ سوى سنوات أربع في التعليم، لكن الاثنيْن قفزا عالياً فوق سور المحنة، وأشعلا قنديلاً ينير ظلام الجهل.

وسط هذه الرحلة والمسيرة الزاهرة العامرة بالنجاحات، لا بد أن أتوقف، أما شريكة عُمره التي غيّرت حياته، وكانت ضوء عينيه، ففي تلك الأعوام كان قد تزوّج من سوزان بريسو، الفرنسية سويسرية الجنسية، التي ساعدته على الاطلاع أكثر فأكثر باللغتين، الفرنسية واللاتينية، فتمكن من الثقافة الغربية إلى حدٍّ بعيد.

كان لهذه السيدة عظيم الأثر في حياته، فقامت له بدور القارئ، فقرأت عليهِ الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تمت كتابتها بطريقة «برايل»، حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الذي دفعه للتقدم دائماً، وقد أحبها طه حسين حباً جماً، ومما قاله فيها؛ «إنه منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طه حسين النور الدائم طه حسين النور الدائم



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon