توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا يقرأ العربي، أم كيف يقرأ ؟

  مصر اليوم -

ماذا يقرأ العربي، أم كيف يقرأ

بقلم - موسى برهومة

 الزائر معارض الكتب العربية، وآخرها معرض أبو ظبي للكتاب في دورته الثامنة والعشرين، يلاحظ إقبالاً على الشراء، يقابله عناوين جديدة بأغلفة أنيقة تتسابق دور النشر العربية على تقديمها للقارئ في مختلف المعارف. وقلما يخرج أحد الزوار خالي الوفاض من هذه التظاهرة السنوية التي يتم تنظيمها بحفاوة ظاهرة.

ويبعث في النفس الزهو والحبور، مشهدُ فئات اجتماعية من مختلف الأعمار يقلّبون الكتب، ويطالعون محتوياتها، أو يقرأون أغلفتها الخلفية، قبل أن يعزموا على شرائها، إلا إذا كان الواحد من هؤلاء يعرف جيداً الكاتب أو الكتاب، أو دار النشر، وما إلى ذلك من محفّزات تجعل اقتناء الكتاب عملية «مضمونة».

ويقدّر خبراء أنّ سوق الكتب في العالم العربي تبلغ بليون دولار، وهو رقم يزيد من التباس الأمر حول مدخلات القراءة ومخرجاتها. فلو افترضنا، على سبيل الجدل، أنّ الرقم المذكور يشير إلى عافية معرفية تستبطن أنّ العرب يقرأون بوفرة، كي لا نقول بغزارة، فإنّ مخرجات هذه القراءة يتعيّن أن تنعكس على السلوك والتفكير والمقاربات في الحياة والسياسة والاجتماع، وتحسين جودة العيش.

ولكنّ الناظر إلى أحوال العرب من الماء إلى الصحراء، لا يلحظ أنّ الكتب التي يبلغ سوقها بليون دولار، قد فعلت فعلها، أو تركت آثارها على العقلية العربية. ومن يزر أية مدينة عربية، ويتجول في شوارعها، ويستقل حافلاتها، أو يذهب للاستجمام على شواطئها وفي منتجعاتها، لا يلحظ، إلا نادراً، عربيّة أو عربياً يشغل وقته «الثمين» بقراءة كتاب، أو تصفّح مجلة، في أقل تقدير. السواد الأعظم منهم، مشغولون، إن كانوا مشغولين، في العبث بأجهزتهم الخليوية، أو في مشاهدة فيديوهات، أو الاستماع إلى الأغاني. وإن رغبوا في القراءة، فإنهم يلجأون إلى المواقع الخفيفة التي لم يُعرف عنها أي تميّز أو مصداقية أو خبرة في صناعة الأخبار الموثوق فيها وتداولها.

وهذا ينطبق على الكبار والصغار على حد سواء وعلى الإناث والذكور الذين تتوفر في حوزتهم خيارات كثيرة تشغلهم عن تقليب صفحات كتاب قد تستغرق قراءته يومين أو ثلاثة. فهؤلاء لا يطيقون صبراً على قراءة صفحة واحدة، فما بالك بكتاب قد يتعدى المائتي صفحة. إنهم أمر مرهق لا تقوى عليه لياقتهم المعرفية التي لم يجرِ إعدادها لتقبّل فعل القراءة كسلوك طبيعي يمكن تأديته بأقل جهد وبأكبر قدر من المتعة.

وقد اعتاد كاتب هذه السطور تكليف طلبته في الجامعة بقراءة كتب وتلخيصها ونقدها، كجزء من استحقاقات المساقات التي يدرّسها في الصحافة الإعلام. وصار معتاداً أو متوقِعاً أن يعترف له طالب، في العشرين من عمره، أنّ الكتاب الذي قرأه كان أولَّ كتاب في حياته!

سيسأل أحدهم، ربما، عن دور المدارس، والأسرة، والمجتمع، ووسائل الإعلام والتربية، وكذلك عن الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وجهات عدة، لا يحتل فعل القراءة أولوية في «أجندتها».

في ضوء ذلك، يمكن النظر إلى البليون دولار، التي تمثل حجم سوق الكتاب في العالم العربي، من عدة زوايا؛ الأولى أنّ العربي يقتني الكتب، ولا يقرأها على النحو الذي تستدعيه عمليات القراءة. والثانية أنّ العربي يقرأ الكتب ولا يفهمها، لأنّ الفهم يستبطن هضم المعارف وإعادة إنتاجها في الممارسة الحياتية، بحيث تكون مشاعلَ نور في عتمة طريق طويل. هذا ما تقتضيه القراءة الواعية التي تنشد التغيير والتنوير، وهذا ما هو مسطور في غالبية الكتب التي تستحق القراءة، إلا إذا كانت الكتب، التي يمثل سوقها البليون دولار، متخصصة في الشعوذة والأبراج وعذاب القبر وفنون الطبخ والتداوي بالأعشاب والرّقى والتعاويذ، أعاذنا الله من شرورها!


نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يقرأ العربي، أم كيف يقرأ ماذا يقرأ العربي، أم كيف يقرأ



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon