توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصحافة.. والدولة

  مصر اليوم -

الصحافة والدولة

بقلم-عاطف الغمري

صار الحديث عن مشاكل الصحافة الورقية هو موضوع الساعة، وجرى تناول أسبابها من كثيرين، منهم من أرجعها إلى أسباب اقتصادية- وهذا صحيح- تتمثل فى زيادة مبالغ فيها فى أسعار الورق، وتراجع الإقبال على القراءة، إلى جانب أسباب أخرى تعود إلى النواحى الاقتصادية.

والبعض عرض تصوره الذى يرى الصحافة الورقية تواجه منافسة عاتية من الإعلام الإلكترونى، قد تؤثر على مستقبله. والصحيح أيضا أن صحفا فى بلاد أخرى قد توقفت عن الصدور، لتراجع التوزيع وقلة الإقبال على قراءتها، ولجأ ناشروها إلى الصحافة الإلكترونية. وفيما بين هذين الرأيين نطرح سؤالا: هل السبب الاقتصادى هو العنصر الوحيد للأزمة؟، ودون إغفال منطق أصحاب الرأى الآخر.

ومن خلال متابعة لأوضاع دول أخرى، منها أمريكا وأوروبا واليابان مثلا، يتضح أنها لم تفقد ارتباط القارئ بها، وأنها لاتزال حتى الآن مصدر إعلام وتنوير ليس للمواطن فقط بل للحكومات أيضا فى هذه الدول. ومن خلال النظرة الأوسع للأزمة الراهنة من واقع ارتباطى بالمهنة نظريا وعمليا، من خلال التدريس لمدة 17 سنة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وما اكتسبته من خبرات فى مدارس صحفية- وأقصد أن أصفها بهذا التعبير تحديدا. فقد أمضيت سنوات فى بداية عملى بدار أخبار اليوم قبل انتقالى للأهرام، كما حرصت أثناء تواجدى فى بريطانيا ثم أمريكا ألا أكتفى بقراءة الصحف، بل بالسعى لزيارات لدور الصحف الرئيسية فى هذه البلاد والتواصل مع محرريها فى مناقشات قد تتصل بالسياسات التحريرية، وبدور الصحافة كسند لأداء الدولة ذاتها لدورها.

ثم ما لمسته من أن الصحف هناك كانت ولاتزال إلى اليوم ملهمة للدولة. وأحيانا تلفت نظر الدولة إلى معلومات أو تحليلات أو أفكار لم تكن الدولة قد تنبهت لها. وحدث شىء من هذا أمامى فى واشنطن أثناء المؤتمر الصحفى اليومى للمتحدث بوزارة الخارجية، حيث سأله أحد المراسلين عن خبر نشر يومها فى الواشنطن بوست، وكان رده أننا لم نعلم به وسوف أستعلم من حكومتى وأرد عليكم غدا، وكان هذا الخبر دافعا للدولة للاستفادة سياسيا مما نشرته الصحيفة. وعلى ضوء ما يمكن استخلاصه من رحلتى الصحفية يتبدى أمامى أحد أهم مفاتيح الخروج من الأزمة الراهنة. وتلك وجهة نظر تحتمل الجدل.

أول المفاتيح هو التحرير بناء على قواعد فن التحرير الصحفى، ويختص أحد جوانبها بالمحتوى الذى تقدمه الصحيفة يوميا من مادة تشبع عقل القارئ، وكذلك احتواء الصحيفة بدءا من الصفحة الأولى على مواد جاذبة للقارئ وتنوع للموضوعات والأخبار.

تعود بى الذاكرة إلى ما كنت قد تابعته على يد اثنين من رواد الصحافة فى مصر باعتبارهما نماذج لما أتحدث فيه اليوم. وهما مصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس، وذلك فى سنوات عملى بأخبار اليوم قبل انتقالى للأهرام.

كل منهما يضع أمام القائمين على تحرير الجريدة لمساته التى يستلهمها من القارئ، والذى يرتبط بصحيفته وكل حسب المدرسة الصحفية التى ينتمى إليها. وفى الأهرام كانت صحافة محمد حسنين هيكل، صاحبة تجربة ورؤية ناضجة ومتنورة لقواعد فن التحرير الصحفى. أما أن تتحول الصفحة الأولى فى جريدة ما إلى ما يشبه النشرة الحكومية، وترص فيها الأخبار رصا، دون إضافات إبداعية من جانب الصحيفة، فهذا يعد أحد أسباب إعراض القارئ الذى سبق أن كان لديه علم بنفس الأخبار قبلها بيوم، عن طريق برامج التليفزيون والنت، وأن الإضافات الإبداعية يحتم استخدامها قانون المنافسة الذى تعيشه الصحافة مع البرامج الإخبارية لوسائل التكنولوجيا الحديثة. وهذا ما يفعله البعض من الصحف هنا وكثير منها بالخارج فى اللجوء إلى أصحاب الخبرة والمعرفة لفتح نوافذ توسع دائرة الخبر وتزيده ثراء، وربما تستحق شروح هؤلاء أن تسبق الخبر الذى صار معروفا.

هنا لا أنسى عبارة لموسى صبرى، وهو رئيس تحرير الأخبار أيام كنت محررا بها. لقد كان من عادته أن يراجع بنفسه ما انتهى مسؤولو الدسك المركزى من إعداده من أخبار لليوم التالى. وإذا لاحظ وجود خبر كان القارئ قد علم به اليوم يقول: هذا عيش بايت، بمعنى أن ما يقدمه الخبر لم يعد طازجا، ثم يمزق الخبر.

تنطبق هذه المعايير على بقية الصفحات ومختلف الأقسام بدءا من أقسام الأخبار والتحقيقات والتصوير والأدب والفن ومقالات الرأى وغيرها. والوعى بأن الصحيفة تعكس واقع المجتمع وتشخص بدقة ما يعانيه وما يرتضيه.

وإذا بحث القارئ فى صحيفة فى الصباح ولم يجد بها ما كان يشغل باله وتفكيره فى اليوم السابق، فهى تتحول فى نظره إلى مجرد كلمات مصفوفة على ورق.

الصحافة فى عصر التطور التكنولوجى تحتاج إلى تصورات مبتكرة للأداء الصحفى، وتلزمها برامج تدريبية متطورة للمحررين، ويسبق ذلك إدخال مناهج متطورة فى كليات الإعلام.

الأهم أن تعترف الدولة بأن دور الصحافة فى إثراء وجدان الشعب يمتد أيضا إلى دورها كسند للدولة ذاتها. فالصحافة لم تكن أبدا بمعزل عن السياسة فى الدولة، فالتأثير بينهما متبادل ومستمر، والقارئ طرف أساسى فى هذه المعادلة. ومعروف أن الصحف فى العالم المتقدم لايزال لها تأثير على صانع القرار حين تلهمه بأفكار لم يكن قد تنبه لها، وأن توحى إليه بسياسة لم تكتمل صورتها أمامه.

تلك كانت مقولة جيمس ريستون الذى كان يوصف فى الثمانينيات بعميد الصحافة الأمريكية، فى محاضرة كنت حاضرا بها، وأنا أستوعب ما يقوله الرجل بناء على خبرته كصحفى أولا وكشخص كان قريبا جدا من رؤساء أمريكا.

نقلا عن المصري اليوم 
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحافة والدولة الصحافة والدولة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt