توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إرث «داعش»

  مصر اليوم -

إرث «داعش»

بقلم - مشرق عباس

ليس اسهل من أن يقرر مسؤول سياسي أو عسكري أو امني، إبعاد عشرات الآلاف من عائلات عناصر تنظيم «داعش» إلى مخيمات عزل، بهدف حمايتهم من الانتقام، أو ربما حماية المجتمع من انتقامهم، لكن الأصعب هو محاولة اعادة دمجهم، حماية للجميع.

بعد أكثر من عام على نهاية وجود «داعش» الفعلي في العراق، ربما صارت مصطلحات مثل «المجاهدين» و «المهاجرين» و «الدولة الاسلامية» و «الخلافة» و «الخليفة» و «ديوان الجند» و «الحسبة» في أرشيف ذاكرة معظم سكان المناطق التي احتلها التنظيم، لكنها ما زالت في الحقيقة تشكل جوهر ثقافة مخيمات العزل الخاصة بعائلات التنظيم، ليس لأن اطفالاً ونساء وشيوخاً عزلاً ما زالوا مؤمنين بها وبمصداقية استخدامها من قبل تنظيم ارهابي، بل ببساطة لأن واقع العزلة لم يتح لهم مغادرة إرث «داعش».

لقد تسبب العجز السياسي والحزبي والفكري في العراق بعد 2003 في إنتاج عدالة انتقالية حقيقية، ونمط قانوني وانساني لدمج المخالفين في الوضع الجديد، بكل الكوارث التي اعقبت ذلك التاريخ، ويبدو من باب السخرية المرة فقط أن يسأل أحد الخارجين من رحم سياسة التغاضي وانعدام الرؤية، بحيرة عن الاسباب التي تقف خلف تبني أجيال جديدة ولد بعضها بعد الاحتلال فكر البعث، وتمجيد صدام حسين، ونخشى ان ننتظر لبضع سنوات حتى يخرج السياسي عديم الرؤية نفسه للتساؤل بالحيرة نفسها عن اسباب ولادة اجيال جديدة من المتطرفين.

ان تاريخ القهر والعزل والعقاب الجماعي للسكان بجريرة مجموعة منهم، لم يكن واضحاً للعراقيين ابان الحقب السابقة، فالماكنة الاعلامية، والازمات المتلاحقة، وستراتيجية القمع والتجهيل، لم تسمح بتداول حقيقي لاسباب انتاج مخيمات العزل واللجوء والتهجير العراقية، اجيالاً من الشباب العراقيين الأكثر عداءً وتوجساً من المجتمع الذي عاش في ظل نظام صدام حسين، كما ان استخدام هؤلاء انفسهم بعد عام 2003 لسياسة الترهيب والتخوين والتشكيك بحق عراقيي الداخل، ومنعهم من شغل المناصب الرسمية، لصالح من اطلقوا على انفسهم «مناضلي الخارج» وابنائهم واقاربهم، كان بداية نموذجية لقياس دورة العنف التي لم تتوقف منذ ذلك الحين.

لكن الاخطاء القاتلة لايمكن ان يتم السماح بها مرة ومرتين وعشرة، والفرص المهدورة لايمكن الهروب من نتائجها، ومخيمات العزل الحالية لعائلات «داعش» تحيل الى تلك الاخطاء التي يتوجب الوقوف عندها بحكمة، ومعالجتها بهدوء، وتجنب استخدامها لأعراض سياسية.

كل ذلك لاينفي، ان هذه العائلات قد تكون معرضة بالفعل الى انتقامات عشائرية او فردية في حال عادت الى مناطقها، وهذه المسألة ليست عصية امام التسوية الاجتماعية اذا ماتوفرت النية، والاهم ان عودة هؤلاء ليست الاولوية التي يجدر الانتباه اليها، وانما قبل ذلك التأهيل الصحيح، والرعاية والتعليم، خصوصاً للاطفال من تلك العائلات، والذين على المجتمع اليوم ان يحدد مستقبلهم، ومآلات توجهاتهم، قبل فوات الاوان، واهدار الفرصة التي يسبقها الزمن.

انه أمر محزن ومربك حقاً، ان يهدر مجتمع عاش تجارب مريرة من العنف ودفع اثماناً باهضة بسبب التربية الممنهجة على الشك بالآخر واهماله واقصائه وتشويه تاريخه، فرصته لكسر الدائرة المغلقة وانهاء قدرتها على انتاج المزيد من الكراهية، وهو أمر مربك أكثر عندما يتعلق بفشل دولة في تحقيق التكيف الصحي لبضع الاف من الاطفال في المجتمع.

هناك معلومات عن نية الدولة جمع معسكرات عائلات داعش المتوزعة عبر البلاد، في مدينة يتم تشييدها، برعاية اممية على اطراف الصحراء، وهذه المعلومة لو صحت فانها تنتمي الى الهروب من المشكلة بديلاً عن معالجتها مهما كانت معقدة.

ومع الاقرار بان جزءاً من المشكلة يخص آباءَ غير معروفين وربما غير عراقيين، واطفالاً لم يتم تسجيلهم في اي قيد رسمي، وزوجات تزوجن بأكثر من مقاتل، وكبار سن من الأجداد والجدات يتحملون جزءاً من مسؤولية ما آل اليه مصير عائلاتهم، لكن كل ذلك في الهامش في رؤية الأمم لمصالحها العليا، اما المتن فهو واحد، وملخصه ان هذه المعسكرات، هي حقول الغام نزرعها في صميم مستقبل هذا البلد.

نقلا عن الحياة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرث «داعش» إرث «داعش»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt