توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المونديال «أفيون» المصريين..!

  مصر اليوم -

المونديال «أفيون» المصريين

بقلم : عبدالعظيم درويش

 الحديث عن كرة القدم «قدس الأقداس» هو فى حقيقته أشبه باقتحام «عش الدبابير» فى أبسط الحالات إن لم يكن أقرب إلى المرور فى حقل ألغام «معصوب العينين»، حيث لا يخرج منه ذلك «المتهور» الذى يدخله إلا أشلاء تتولى «ورثته» تجميعها بصعوبة بالغة، بعد أن يكون قد ناله الكثير من «سهام التعصب والغضب» وبخاصة إذا كان الحديث عن «الساحرة المستديرة» يتناول جانباً سلبياً فيها‏!‏

وإذا كان الفيلسوف الاقتصادى الألمانى «كارل ماركس» عندما كتب المقطع الأشهر «الدين أفيون الشعوب» فى عام 1843 كجزء من مقدمة كتاب انتقد فيه «فلسفة الحق» للفيلسوف «فريدريش هيجل» لم يكن يدرى أنه بعد ما يقرب من 175 عاماً سيصبح «المونديال» أفيون المصريين، يهون كل شىء أمامه حتى ولو كان «دخل الوطن من العملة الصعبة»..!.

وفق اعتقاد «ماركس» فإن للدين بعض الوظائف العملية فى المجتمع تشبه وظيفة «الأفيون» بالنسبة للمريض أو المصاب: فهو يقلل من معاناة الناس المباشرة ويزودهم بأوهام طيبة، ولكنه يقلل أيضاً من طاقتهم واستعدادهم لمواجهة الحياة الجائرة، عديمة القلب والروح التى أجبرتهم الرأسمالية أن يعيشوها، فإن الواقع يؤكد أن ما يحدث فى المجتمع المصرى منذ إعلان وصول فريقنا القومى إلى المونديال بعد 28 عاماً من الغياب منذ المرة الأولى والوحيدة التى شاركنا فيها عام 1990 أن هذا المونديال قد أصبح «أفيون» معظمنا لتغييب عقولنا ولنتخفى وراءه حتى لا نواجه متاعبنا الاقتصادية وبحثاً عن تحقيق انتصار أى انتصار حتى ولو كان بأقدامنا بدلاً من عقولنا.

ورغم متاعبنا خلال محاولاتنا لإصلاح ما أفسدته السنوات الماضية فى اقتصادنا فإن لهفتنا على تحقيق ذلك الانتصار الوقتى «الوصول للمونديال» قد دفعتنا إلى المقامرة والتضحية بجزء غير قليل من الاحتياطى النقدى الأجنبى بالبنك المركزى.. رغم متاعبنا الشديدة فى تجميعه!

منذ شهر أكتوبر الماضى وقت إعلان التحاقنا بـ«قطار المونديال» انطلق «ماراثون» عنيف تنافست فيه معظم الشركات والمؤسسات المالية -إن لم يكن جميعها- على تشجيع المواطن على إهدار ملايين الدولارات.. فالبنوك بدأت حملات دعائية لدعوة المواطن للإفراط فى استخدام كروت الائتمان «Credit Cards».. ودخلت شركات المياه الغازية وغيرها من شركات الإنتاج والاتصالات سوق المنافسة لا لشىء إلا لإيهام المواطن بأنه كلما أسرف فى الإنفاق فإن أمامه فرصة للفوز برحلة إلى روسيا لمشاهدة مباريات المونديال، دون أى اعتبار لتلك الملايين من الدولارات التى سيجرى إهدارها فى هذه الرحلة.

فى سباقها المحموم لدفع المواطنين إلى إهدار مدخراتهم وبالتالى إحراق العملة الصعبة بدأت ما يقرب من 30 شركة سياحة مصرية تنظيم برامج للمشجعين، مقسمة لشرائح سعرية تتراوح فى المتوسط ما بين 38 ألفاً و80 ألفاً لتناسب جميع أطياف المجتمع «وفق وجهة نظر القائمين عليها»، إلى جانب أن هناك بعض البرامج المطروحة تشمل حضور مباراة واحدة فقط..!!

ما حدث أخيراً فيما يتعلق بالمونديال ليس غريباً عما كان يحدث على الساحة الكروية منذ سنوات -ولا يزال- وهو أمر لا يمكن السكوت عنه على الرغم من أنه تكرار لممارسات سابقة وكثيرة غير أن الظروف الاقتصادية التى يمر بها المجتمع حالياً وتنعكس سلباً على المواطن تجعل السكوت عما يحدث حالياً «جريمة» فى حق الوطن والمواطن‏.‏

ففى الوقت الذى ينكمش فيه الجنيه ويتراجع أمام الدولار -الذى أصبح أقرب إلى الشقيق الرابع للغول والعنقاء والخل الوفى- تتسابق أكبر الأندية الرياضية على إحراق مئات الآلاف منه شهرياً من خلال «ماراثون» استقدام مدربين أجانب ولاعبين من الخارج يحددون مرتباتهم الشهرية فى مزاد محموم يستقر على رقم تسبقه على الأقل ثلاثة أو أربعة أصفار بالدولار‏!! وهو ما يقترب من عملية شراء الدرجات العلمية «الدكتوراه» من جامعات خارجية استقرت فى «بير السلم» فى بلاد «الخواجات».. ولم يكن استقدام المدربين الأجانب قضية تتعلق بتعويض «سوء مستوى المدربين المصريين» -لا سمح الله- الذين يمكن أن يكون من بينهم من هو أفضل من المدرب «الخواجة»، ولكنها فى حقيقتها قضية «وجاهة اجتماعية» لتلك الأندية فى سباقها للحصول على درع الدورى أو الكأس محلياً -حتى ولو كان ذلك بأقدام الغير- فى مباريات تكفى أعداد المترددين من جمهور مشجعيها بعدها على عيادات الأطباء للعلاج من «ضغط الدم» بسببها للحكم على مستواها الفنى‏!!.‏

لم تكتف الأندية الرياضية بهذا الإهدار لعملات أجنبية نحن فى أمس الحاجة إليها، بل إن الأمر طال إلى حد إقامة معسكرات للتدريب فى الدول الأوروبية المختلفة، كما تقتضى معايير «السرية والتكتم»، يشارك فيها بالتأكيد أعضاء الفريق الأساسيون والاحتياطيون والإداريون والأطباء والمترجمون وغيرهم من أصحاب الحظ، وإن لم تصل المسألة حتى الآن إلى اصطحاب المشجعين أيضاً، ولا أستبعد حدوث ذلك، كما ولو كانت إقامة مثل هذه المعسكرات محلياً ستتيح فرصة ذهبية لـ«الأعداء» من الفريق الآخر للاطلاع على خطة التدريب‏ وكشف أسرارها!!.‏

كل هذا يحدث فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة جاهدة لتدبير موارد جديدة من العملات الأجنبية اللازمة لتنفيذ خطة التنمية وتوجيهها إلى وجهتها الصحيحة بدلاً من إهدارها من أجل مباراة لكرة القدم حتى ولو كانت ضمن المونديال..!!

وقبل أن يسارع البعض بالقول إن ما تحرقه الأندية من «دولارات» هى مساهمات وتبرعات من رجال الأعمال لأنديتهم وليست من بين موازنة الدولة‏، أقول إن الحرص على دولارات المواطنين قد دفع الدولة ولا يزال إلى مناشدة القادرين عدم السفر للخارج خلال الصيف للسياحة أو حتى أداء فريضة الحج أو العمرة أكثر من مرة توفيراً للعملة الصعبة،‏ وهى أيضاً ليست من أموال موازنة الدولة بالطبع‏، الأمر يستحق وقفة ومراجعة والبحث عن وسيلة أخرى لـ«إحراق البخور» فى قدس الأقداس بدلاً من «إحراق الدولارات» من أجل مباراة حتى ولو كانت فى المونديال الذى أصبح بالفعل «أفيون المصريين».!!

نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المونديال «أفيون» المصريين المونديال «أفيون» المصريين



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt