توقيت القاهرة المحلي 09:38:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى

  مصر اليوم -

كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى

بقلم - نديم قطيش

 

تُفضي حرب غزة إلى تسييس جيل كامل لم يكن منخرطاً سابقاً في تعقيدات «القضية الفلسطينية». بيد أن هذا الصراع يُرى اليوم من خلال عدسة مشوهة، بسبب درجة ونوع العنف غير المسبوقين في المواجهات الحالية. فمن يتعرفون على «القضية» الآن يتعرفون عليها عبر صراع أعنف مكونين على جانبيها؛ أي حكومة بنيامين نتنياهو، الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وحركة «حماس»، الأكثر اصطداماً بأسس المشروع الوطني الفلسطيني، أكان ذلك يتعلق بمنظمة التحرير أو معنى المشروع ومفرداته أو فهمهم لطبيعة العلاقة مع إسرائيل الآن ومستقبلاً.

وعليه فإن تقديم هذه الحرب، بكل مجرياتها القاسية، بوصفها جوهر النضال الفلسطيني، والبديل الوحيد عن المشروع الوطني لتحقيق السيادة والحقوق السياسية والإنسانية للفلسطينيين، يهدد بتشويه فهم وإدراك الجيل الجديد للقيم والأهداف الأساسية للنضال الفلسطيني. وهو سوء فهم يحمل في طياته عواقب وخيمة، على الفلسطينيين وعلى غيرهم في عموم المنطقة.

وما يفاقم تعقيدات هذا التحول الحاصل في معاني الصراع، هو التأطير التوراتي والقرآني لمجرياته من بنيامين نتنياهو وحماس. فيوم السبت الفائت وفي خطاب لافت، عاد نتنياهو إلى القرن 11 قبل الميلاد، ليقتبس من سفر صموئيل، حكاية عن صراع اليهودية مع «شعب العماليق»، مستفيداً من قسوة النص المقتبس، ليبرر وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية وما تخلّفه من ضحايا بين المدنيين الفلسطينيين. وإذا كان هذا «التحور» هو ما يصدر عن شخصية ترأس حزباً «علمانياً» كحزب الليكود، فحدِّث ولا حرج عن تديين «حماس» لكل معاني الصراع الذي تخوضه والمشروع الذي تقوده.

لا تخفى الدلالات الدينية في عنوان «طوفان الأقصى» الذي اختارته «حماس» لحربها الراهنة. يربط هذا العنوان بين الميثولوجيا الإبراهيمية «لطوفان نوح» الذي حصل بفعل قوة إلهية كاسحة، بهدف وضع حد للظلم في العالم، وبين الأقصى، كرمز ديني إسلامي، «وعد الله» المؤمنين بتحريره. هذا التأطير الديني للصراع السياسي وربطه بالسرديات الغيبية وتحويله إلى معركة وجودية هو اقتراح مروِّع للفلسطينيين والإسرائيليين وعموم المنطقة. يُضفي هذا المسار مقداراً رهيباً من القداسة على تصور الأفراد والجماعات للسياسة، ويقوّض الديناميكيات العقلانية الضرورية للتوجه نحو الحلول العملية، ويزيد من تصلب الوعي السياسي والتطرف، ويُطيل أمد الصراع والمعاناة.

معركة الوعي هذه، هي ما يعنينا خارج معارك الميدان العسكري، بغية تحرير الأجيال التي يجري تسييسها الآن، من فخ هذا التصور المشوّه للقضية الفلسطينية وعموم الصراع العربي - الإسرائيلي. إن جوهر القضية الفلسطينية، وهو النضال من أجل العدالة والدولة وتقرير المصير، مهدَّد بالاندثار وسط السردية الغيبية الدينية الرائجة الآن. ولا يساعد العنف الإسرائيلي الحالي وغير المسبوق، رداً على العنف الفلسطيني غير المسبوق بدوره، إلا على تبديد الباقي من أسس الحل السياسي.

مع ذلك، أرى أن الحرب، بأهوالها المروعة على الجانبين، أحيت الحاجة الملحّة لحل الدولتين، الذي بدا في السنوات الأخيرة كأنه طريق مسدودة ومشروع طواه النسيان. وعليه إنّ انتزاع الحل السياسي من بين حطام الصراع الدائر اليوم أمرٌ ممكن إنْ توفَّرت لدى أصحاب المصلحة، الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب والأميركيين، إمكانية توحيد الجهود والتحرك بسرعة نحو استعادة مسار السلام.

شرط ذلك هزيمة مزدوجة لبنيامين نتنياهو وتحالفه الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهزيمة «حماس»، التي أودى حكمها منذ عام 2006 بالفلسطينيين إلى الجحيم الحالي.

ليس خافياً أن نتنياهو انتهى، حسبما تشير كل استطلاعات الرأي الإسرائيلية، التي تحمِّله مسؤولية الوصول إلى الوضع الراهن. وليس لديه من رأسمال يُعفيه من المصائر التي ذهب إليها من هم أرفع شأناً منه في تاريخ إسرائيل. فغولدا مائير خرجت من معادلة الحكم والسياسة بعد حرب 1973، وكذلك حصل مع إسحق شامير بعد الانتفاضة الأولى وقبله مناحيم بيغن بعد حرب لبنان 1982.

أما «حماس»، وحسب استطلاع قبل أيام من اندلاع الحرب بينها وبين إسرائيل، أجراه الباروميتر العربي، في غزة والضفة الغربية، تبين أن سكان غزة لم تكن لديهم ثقة كبيرة في حكومتهم التي تقودها «حماس». وعندما طُلب منهم تحديد مدى الثقة التي لديهم في سلطات «حماس»، قال 44 في المائة من المستطلَعين إنهم لا يثقون بها على الإطلاق، في حين قال 23 في المائة منهم إن «ليس هناك الكثير من الثقة» لديهم. ومن غير المنطقي أن تتحسن هذه النتائج في ضوء المعاناة النازلة بالفلسطينيين، نتيجة خيارات «حماس» الأخيرة.

في هذا الصدد لا بد من التنويه إلى أن شريحة وازنة من قادة الرأي العام الإسرائيلي تحلّوا بالشجاعة لتحميل نتنياهو وسياساته مسؤولية الحرب الدائرة، في حين لم تَظهر بعد أصوات فلسطينية تحمِّل «حماس» نصيبها، لا من المسؤولية عن الحرب وحسب، بل عن رداءة حكمها وربط القضية الفلسطينية بالمصالح الجيوسياسية الإيرانية.

أتفهم قسوة ما يعيشه الفلسطينيون اليوم، لكنّ الاندماج في سردية «حماس»، حول المقاومة وطبيعة الصراع كما تقدمه وتفهمه الحركة، تحت وطأة الخوف أو المعاناة، ليس خياراً حكيماً. في أوقات الأزمات، تحتاج المجتمعات إلى قادة من نوع آخر يمتلكون القدرة على رسم مسار جديد لها وإحياء الأمل بين ناسها. يحتاج الفلسطينيون إلى أن يجاهروا أكثر بالانفصال عن الخيارات التي تحشرهم «حماس» فيها إن كانوا يرفضون ذلك. الآن هو الوقت المناسب لصوت فلسطيني جديد يعبِّر عن تطلعات شعبه بنهج أكثر واقعية.

إن حرب العقول هي ساحة معركة أهم من معارك الميدان. والسردية التي ستنتصر، تمتلك القدرة إمَّا على أَسْرِنا جميعاً في دائرة مفرغة من الكراهية والعنف الدائمين وإما على وضعنا على طريق السلام والمصالحة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى



GMT 09:38 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

القبطى الوحيد

GMT 09:35 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

صناعة البديل

GMT 00:30 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

فن الكذب عند ترامب!

GMT 21:01 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

أحزان عيد القيامة!

GMT 20:58 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

د. محمد غنيم رائد زراعة الكلى

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:23 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

طرق سيئة للنوم قد تتسبب في الوفاة ببطء
  مصر اليوم - طرق سيئة للنوم قد تتسبب في الوفاة ببطء

GMT 23:13 2021 الثلاثاء ,27 إبريل / نيسان

القمر العملاق يزين سماء مصر في ليلة نصف رمضان

GMT 14:36 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 23:48 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

علي زين رجل مباراة مصر والدنمارك في ربع نهائي بطولة العالم

GMT 22:00 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

أسوان يدعم صفوفه بالسيد فريد وعمرو رضا قبل نهاية الميركاتو

GMT 10:08 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

منتخب مصر لليد يكشف تفاصيل إصابة أحمد الأحمر

GMT 07:37 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

أجنّة سمكة قرش منقرضة أكلت أشقائها في الرحم

GMT 04:22 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

موديلات جمبسوت خطوبة للعروس العصرية تعرفي عليها

GMT 06:59 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

تتغير الظروف في الشهر الاول عما كانت عليه مؤخراً

GMT 09:34 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يسأل عن 8 ملايين دولار مستحقة لمصر لدى الكاف

GMT 01:44 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

"بسنت" يتصدر مؤشرات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon