توقيت القاهرة المحلي 04:24:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رغم أوكرانيا... أميركا لا تزال غائبة

  مصر اليوم -

رغم أوكرانيا أميركا لا تزال غائبة

بقلم: نديم قطيش

العالم مكان خطير. يعرف المشرقيون العرب والخليجيون ذلك وهم يراقبون سلوكيات إيران الميليشياوية والنووية. يتيقن من خطورته الكوريون الجنوبيون مع كل خبر صاروخي وارد من بيونغ يانغ. ولا يحتاج اليابانيون والأستراليون إلى أدلة كثيرة على هذا العالم الخطير.

ولعل أكثر مَن خَبَرَ هشاشة الأمن هم الأوروبيون حين قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يجتاح أوكرانيا ويعيد إلى أذهان البشر، أهوال الحرب العالمية الثانية.
الخائفون كثر، والمخيفون معروفون. أما الغائب الأكبر فهو أميركا بدورها ومسؤولياتها كقائدة العالم الحديث حتى إشعار آخر.
أعطى الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان أوضح الإشارات على أن أميركا تريد الالتفات إلى داخلها. لم يختلف الأمر كثيراً عن فوضى من نوع آخر في عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب، كانت هي الأخرى، وفي جوهرها، تتبنى انعزالية أميركية تحت عنوان «أميركا أولاً». باراك أوباما كان في طليعة هذا التحول، وارثاً عن سلفه جورج دبليو بوش فائضاً تدخلياً في العالم عنوانه حربا أفغانستان والعراق. بل حتى بوش نفسه كان عنواناً انعزالياً في البدء قبل أن تقلبه جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 رأساً على عقب.
والحال أن النزعات الانعزالية الأميركية اليوم تبدو أوضح من أي رغبة تدخلية في العالم. حتى بعد الحرب الأوكرانية، وتوفر تأييد ديمقراطي وجمهوري عريض للوقوف إلى جانب كييف ومساندتها بالسلاح والمال والموقف السياسي، ظلت الشكوك الدولية تعبّر عن نفسها بأشكال مختلفة، بشأن أن أميركا لا ترغب في تحمل مسؤوليات مكانتها الكونية، وأن الاعتماد عليها مغامرة قد تكون مكلفة.
آخر المنضمين إلى نادي المتشككين في كفاية الحماية الأميركية هو الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك - يول الذي قال صراحة إن «المظلة النووية الأميركية لم تعد تكفي لطمأنة الكوريين الجنوبيين»، مشيراً إلى إمكانية حصول بلاده على سلاح نووي تكتيكي.
وقد استدعت تصريحات الرئيس الكوري الجنوبي نفياً نادراً من البيت الأبيض. يمثل هذا الموقف إعلاناً صارخاً أن العلاقة بين أميركا وحلفائها تعاني من فجوة ثقة هائلة تدفع إما إلى إعادة صياغة تحالفات إقليمية تكون بديلاً عن العائدات المرجوة للتحالف مع واشنطن، وإما إلى التعبير الفج عن استعدادات لتطوير قدرات ذاتية، ولو كانت على حساب سلامة التحالف مع أميركا.
ما ظهر بين سطور الموقف الكوري الجنوبي عبَّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعا أوروبا إلى دور أوروبي «أكبر في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في المجال الأمني، من خلال تطوير القدرات الدفاعية الأوروبية الخاصة بها» معتبراً أن «تطوير القوة الدفاعية لأوروبا يسمح للأوروبيين بأن يكونوا أكثر استقلالية داخل حلف الناتو».
من جهتها تعبّر إسرائيل بإلحاح متزايد عن أنها تمتلك خططاً خاصة ومستقلة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وهو ما سيكون مادة تباحث رئيسية بين مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال زيارة أميركية مرتقبة إلى تل أبيب. حقيقة الأمر أن كل ما يصدر من إسرائيل يؤكد أن فجوة الثقة كبيرة بأميركا، منذ أن تصرفت إدارة أوباما على قاعدة أنها تعرف مصالح دولة المنطقة أكثر من قادتها وحكامها، وأصرت على أن الاتفاق النووي مع إيران مفيد لها، على الرغم من قناعة واسعة بخلاف ذلك.
أما الخليجيون فحدِّث ولا حرج عن تدني منسوب ثقتهم بواشنطن كضامن أمني واستراتيجي، في وجه تهديدات المشروع الإيراني النووي وغير النووي.
من المفارقات أن يعلن الرئيس جو بايدن في استراتيجيته للأمن القومي أن «الحاجة إلى القيادة الأميركية في جميع أنحاء العالم، أكبر اليوم ممّا كانته في أي وقت مضى»، في حين أن سمعة «القيادة الأميركية»، من آسيا إلى أوروبا إلى الشرق الأوسط، تبدو كأنها مجرد إعلان نيات أو إطلاق مواقف سياسية، لا شراكة متينة وموثوقة تعي مسؤولياتها تجاه صيانة السلام والتقدم والأمن. ففيما عدا أوكرانيا، والموقف الأميركي الصلب في الحرب إلى جانب كييف، ينبئ السلوك السياسي الأميركي، بغلبة الاتجاه الانعزالي على الاتجاه التدخلي في العالم. وقد زادت من الدوافع الموضوعية لذلك، النتائج الاقتصادية السلبية للضربة المزدوجة التي أصابت الاقتصاد العالمي عبر جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، التي دفعت البنك الدولي إلى التحذير من أن العالم «اقترب في شكل خطر من الركود».
يمكن القول إن التاريخ السياسي الأميركي هو تاريخ مديد من دورات متتالية من الانعزالية والتدخل. لم تتدخل أميركا مثلاً في الحرب العالمية الأولى إلا بحدود عام 1917، ثم ما لبثت أن انكفأت. ولم ينجح الرئيس ودور ويلسون يومها في إقناع الكونغرس الأميركي بالتصويت لصالح التصديق على ميثاق عصبة الأمم ولا الانضمام إليها، على الرغم من أنه شكّل قوة الدفع الرئيسية لتشكيل العصبة. ولم تتدخل أميركا في الحرب العالمية الثانية إلا بعد قصف اليابان لميناء «بيرل هاربور»، لتنطلق بعدها مرحلة تدخلية جبارة في آسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا، انتهت بمأساة حرب فيتنام، التي أسست بدورها لموجة تردد وانعزال جديدة ما بارحتها واشنطن إلى بعد 11 سبتمبر 2001، حتى حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت من احتلال صدام حسين، حملت ضمناً رغبة أميركية في رؤية عالم متعاون يتشارك أعباء الأمن والسلم العالميين، ولا تكون فيه واشنطن أكثر من شريك أول بين شركاء.
والحال، وعلى الرغم من الحرب الروسية - الأوكرانية والدور الأميركي فيها، لا يجلب التعويل على أميركا، ما يكفي من الاطمئنان لحلفائها. هذا ملمح سيزداد حضوره في العلاقات الدولية إلى أجل غير مسمى، بكل ما يُفضي إليه من توترات بين الدول وقلق على مستوى قادتها وحكوماتها، وبكل ما يشجع عليه من مغامرات قاتلة، قد لا تكون مغامرة بوتين في أوكرانيا آخر تجلياتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رغم أوكرانيا أميركا لا تزال غائبة رغم أوكرانيا أميركا لا تزال غائبة



GMT 02:27 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تحشيش سياسي ..!

GMT 02:21 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

السلطة والدولة في إيران

GMT 02:19 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

القمة العربية... اليوم التالي

GMT 02:16 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

نسيج العنف... ما بعد حرب غزة؟

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال

GMT 15:00 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

محمد الحنفى يؤكد انتظاره إدارة القمة منذ 3 سنوات

GMT 05:38 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

انطلاق أول رحلة لطائرة في الصيف "Stratolaunch"

GMT 10:06 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

هادجنز تتألق في تقديم مجموعة "سينفول كلورز"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon