توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاتصال بوصفه شكلاً من الضيافة

  مصر اليوم -

الاتصال بوصفه شكلاً من الضيافة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تُتداول باستمرار بعض الفيديوهات والكتابات التي توثق لتاريخ أولٍ اتصالٍ غير مباشر بين الناس. ويتعلق الزمر باختراعات مثل: اللاسلكي، والبرقية، والفاكس.. إلخ، كلها كانت مفاجئةً، حتى جاء زمن الهاتف المباشر ما جعل المسافةَ بين البشر أقربَ وأقلّ تباعداً. وما كانت هذه الفتوحات التقنية الكبرى في عالم التواصل إلا لإنجاز المهمات، ومع التقدم التقني المهول بدأت الأسئلة الأدبية والأخلاقية، وهي تحمل بالضرورة بعضَ الترف الفكري، غير أن الاستئناس بالتداخل معها يمكن أن يغيّر من السلوكيات التي ننتهجها مع موجة شبكات تواصل مدلهمة حتى باتت الخصوصية الفردية شبه معدومة. وحين توصّلت البشريةُ، بفضل عباقرتها في المجالات العلمية والفنية، إلى هذا المستوى من القدرة على التواصل اللحظي، لم يبدُ السؤال الأخلاقي حاضراً في وقتها، بل غلَبت النقاشات الاستعمالية للتقنيات على كل الجوانب الأخرى لهذا الفتح التقني المبهر.

غير أن هذا التغوّل للتقنية وسهولة الاتصال في حياتنا جعل مجموعةً من الحكماء يحاولون لجم هذا الأسلوب عبر طريقتين رئيسيتين؛ الأولى: تغيير نمط التواصل، على سبيل المثال قبل الاتصال بأحدٍ ليس من الخطأ استئذانه برسالةٍ حول أي وقتٍ يناسبه الحديث، وبخاصةٍ في الموضوعات التي تحتاج إلى وقتٍ لإتمام محتواها ولإنجاح وظيفتها والنقاش حولها، ذلك أن الاتصال المباغت خارج الدوائر الأساسية، الأسريّة والمهنية أو فئة الصداقات الاعتيادية للإنسان، يعتبر خارجَ حسابات الاستعداد اليومي، وبالتالي من الضروري قرع جرس الاستئذان قبل مباشرة الاتصال، وهذا من التحضّر العالي. الثانية: إن الاتصال في أغلب الأحوال لم يعد ضرورياً كما كان عليه قبل قرنٍ من الزمان، أي أنه أصبح بالإمكان شرح الفكرة وتمهيدها قبل إجراء الاتصال، وكذلك التعريف بالنفس، وتحديد الهدف من الاتصال، وهذا يعطي للتواصل حالةً حضاريةً أكثر غنى.

كما أن الردّ على الاتصال هو نوع من الضيافة، وبالتالي لابد من احترام هذه القيمة الأخلاقية النبيلة، فمَن يردّ على اتصالك هو يستضيفك بالضرورةر ويمنحك الوقتَر ويبادلك النقاشَر ويصغي لحديثك. ما عادت الضيافة مقتصرةً على الاستقبال في مكانٍ أو بيت، بل تمددت لتشمل كل علاقات التواصل بين البشر. ومن هنا أعود لنظرية «الضيافة» الفلسفية التي كتبها الصديق الدكتور عبدالله المطيري في كتابٍ بعنوان «فلسفة الآخرية.. الآخر بين سارتر وليفيناس وبهجة الضيافة». يقول المطيري: «الضيافة ليست علاقة أحادية معزولة عن شبكة العالم الأوسع، بل شكل من أشكال الوجود في العالم بكل ما في هذا الوصف من تفاصيل. الضيافة، ليست مجرد مكان بديل لمكان آخر بل هي عملية خلق كاملة لعالم بديل للضيف».

والخلاصة هي أن تطوّر التواصل من الضروري أن يصحبه وعيٌ مختلف. وموجات التطور التقنيّ تحتم علينا ابتكارَ سلوك متوازن في التعاطي مع الآخرين، لا سيما أن ثمة تغييرات كبرى حدثت من دون أن ندركها، وقد أدت وستؤدي إلى حدوث تغير في مستوى استعداد الآخر لمهاتفته أو لمقابلة الغرباء. الحلّ سهلٌ إلى حد كبير، وهو أن نعترف بضرورة تغيير أساليبنا وبأهمية الانتقال إلى مستوى حضاري في أدبيات التواصل، وأن نعتمد مقولةَ «الاتصال حالة ضيافة» لها طقوسها وآداب احترامها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتصال بوصفه شكلاً من الضيافة الاتصال بوصفه شكلاً من الضيافة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt