توقيت القاهرة المحلي 23:26:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دولة في غزة كُبرى؟

  مصر اليوم -

دولة في غزة كُبرى

بقلم - بكر عويضة

عتبَ صديقٌ أقدِّر رأيه، فقال إن مقال الأربعاء الماضي ذهب بعيداً، فاهتم بجديد أحوال أميركا، وترك جانباً تجدد قديم أهوال ما يعاني أهل قطاع غزة، في ضوء ما اشتعل من مواجهات بين جُند حركة «حماس»، وجيش دولة إسرائيل. عتبٌ مقبول، لكن الواقع يقول إن معاناة بسطاء ناس غزة مع بقايا الاحتلال الإسرائيلي، تُضاف إليها إحباطات الحصار المفروض على القطاع، لن تختفي من «رادارات» الأخبار على مدار الأربع والعشرين ساعة بمختلف أنحاء الأرض، على الأقل إلى أن يتم التوافق على حلٍ ما.

بيد أن التساؤل، الذي لن يختفي هو الآخر، يخص تحديد المعنيين بالتوصل إلى تفاهم بشأن ما يُمكن عدّه أعقد ما شهدته صراعات البشر وحروبهم بعضهم ضد بعض. يكفي التوقف قليلاً أمام الاختلاف حتى فيما يتعلق بالتسميات. مثلاً؛ إذا قال فريق إنه فقط صراع فلسطيني - إسرائيلي بوسع الشعبين، إذا أخلص الجميع النِيّات، التوصل إلى سلام بينهما ينهيه، سارع الناطقون بمنطق قومي إلى القول بغضب ساطع إنه صراع عربي - صهيوني يخص العرب من المحيط إلى الخليج. في المقابل، سوف ينهض آخرون بصيحة رفض للطرفين؛ إذ تراهم يصرّون، وفق منهج يؤمنون به، على أن كل فلسطين «أرض المَحشر والرباط»، وإلى ذلك فهي «وقف إسلامي»، وبالتالي فالصراع بين مجمل العالم الإسلامي وبين كل بني إسرائيل، مما يعني أن أي مساس بذلك الفهم مرفوض، لأنه يعني المس بما هو مقدس، وفق منهجهم ذاك.

معروف أن اختلاف الرؤى هذا بشأن وضع فلسطين قائم بين القوى والأحزاب والمنظمات؛ فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، منذ زمن بعيد. في الضفة الإسرائيلية أيضاً، هناك اختلافات عدة في الشأن ذاته، تتراوح بين أقصى اليمين المتطرف واليمين المعتدل، وبينهما تيارات الوسط الليبرالي أو العِلماني. الأرجح أن كل هذا الاختلاف القائم، على الضفتين، باقٍ إلى قيام الساعة. ثمة تساؤل بسيط يُثار هنا: هل من الضروري أن تعاني الغالبية العظمى من الناس فقط بسبب اختلاف الرؤى ذاك؟ كما قيل من قبل، غالباً ما يُرمى كل من يثير تساؤلاً كهذا بشتى أنواع الاتهامات الجاهزة، من نوع «التفريط»، و«الاستسلام»، و«التطبيع»، وربما يصل الأمر إلى الرمي بحجر «الخيانة»، لمجرد أن من اجتهد فسأل أراد وضع كل اختلافات التنظير المنهجية جانباً، بقصد تقديم المسُتطاع إنجازه راهناً على ما يبدو أنه أقرب إلى المستحيل في المدى القريب، بل والبعيد أيضاً.
في هذا السياق، بدا مُحَيراً لمُتابعين كُثر، يمكنني القول إنني أحدهم، الانتقاد اللاذع الذي تعرضت له حركة «حماس» منذ أسابيع، لأنها رحبت بذراع مصرية مُدَت تجاهها، وبمساعٍ من جانب القاهرة مع تل أبيب، بقصد تحقيق تهدئة بين كلا الطرفين، تخفف معاناة أهل القطاع وتفتح الطريق لتفاهم أوسع بشأن مستقبل وضع غزة ككل. بالطبع، أكثر النقد شدة صدر عن ساسة متنفذين في قيادات حركة «فتح»، ومعهم مَن يواليهم. هذا أمر مُتوقّع، بل هو مفهوم لكل من يفهم سمات التنافر المزمن الذي يحكم علاقات الساسة الفلسطينيين، والذي يبدو أحياناً على طريقة النفور بين «الضراير» داخل البيت. لكن غير المفهوم، خصوصاً للمراقب المحايد، هو التسرّع الذي عمد إلى ضرب «حماس» بطوب التورط في تنفيذ ما تسمى «صفقة القرن»، من منطلق تخيّل أن أول طريق ذلك المخطط هو توسيع مساحة القطاع بغرض إنشاء «غزة الكبرى»، التي سوف تتمدد داخل أرضٍ مصرية. وهناك من شطح في الخيال فذهب إلى الزعم بأن خطط الفصل النهائي بين رام الله وغزة جاهزة، في انتظار إعلان قيام «دولة غزة الكبرى». الحق أنني أغبط البعض على ما يمتلك من «شجاعة» تأكيد ما سيقع على أرض الواقع في ضوء ما يتصوّر.

من منظور شخصي، لست أتفق مع سياسات «حماس» الراهنة، أو مواقف حركة «الجهاد»، ولا مع أجندة أي منهما بعيدة المدى، بل اعتقدت دائماً أن أفضل موقع لهما، هو البقاء ضمن صفوف معارضة تراقب برويّة، وتنصح بتعقل، وتستنكف عن طموح الحكم وبريق التحكّم. لكن، ما دام أن ما حصل قد حصل، ولأن «فتح» رضيت من الأساس بالتعامل مع «حماس» كشريك، فأقل المطلوب هو التروّي قبل إطلاق صفارات إنذار تتخيل غارات وهمية على وشك الوقوع، مثل قرب قيام دولة «غزة الكبرى». يبقى أن الموضوع ربما يستحق عودة ثانية في أسبوع مقبل.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دولة في غزة كُبرى دولة في غزة كُبرى



GMT 02:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المنطقة و«اللمسات الأخيرة»

GMT 02:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

بقاء الفلسطيني... وأزمة الانتماء

GMT 02:18 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

... عن مفهوم «الجنوب العالمي» الرائج اليوم

GMT 02:15 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

قفطاننا وليس قفطانكم

GMT 02:10 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

مستقبل التنمية لم يعد كما كان!

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

غادة عبد الرازق تنافس فى رمضان 2025 بمسلسل جديد
  مصر اليوم - غادة عبد الرازق تنافس فى رمضان 2025 بمسلسل جديد

GMT 20:19 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق بطولة المدارس الأولي للكرة النسائية في مصر

GMT 10:43 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

هاشتاغ ستاد القاهرة للرجال فقط يتصدر تويتر

GMT 00:51 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

موسكو تستضيف مهرجان مسرحي للصم بحضور فنانين من 9 دول

GMT 11:08 2019 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الزمالك يهاجم الأهلي بعد التعاقد مع محمود كهربا

GMT 20:37 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مديحة يسري وخلافها مع محمد فوزي بسبب قبلة

GMT 01:25 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

بنات أحمد زاهر تثيران الجدل على السوشيال ميديا

GMT 05:56 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ثقافة القاهرة تتناول "موسوعة المشاهير.. الزعيم أحمد عرابي"

GMT 22:39 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

بعد تعرضه لكسر هذه حالة شعبان عبدالرحيم الصحية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon