توقيت القاهرة المحلي 01:23:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب

  مصر اليوم -

واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

بين وقت وآخر، تسمع، أو تقرأ، من يردد مقولة تزعق بزعم خلاصته أن زعماء الفلسطينيين «لا يضيعون فرصة كي تضيع منهم فرصة سلام أتيحت لشعبهم». يرد ذلك القول، في الأغلب الأعم، على ألسنة عدد من ساسة الغرب، وصحافييه، في معرض انتقاد يوجهونه لكل رفض فلسطيني قوبل به مشروع سلمي ما، أو اقتراح دولي يعرض خطة تصالح مع إسرائيل. قليلون جداً هم الذين إذا وجهوا هكذا نقد للفلسطينيين، بادروا إلى وضع الأمر في سياق صحيح يربط بين الموقف الفلسطيني الرافض أي تنازل عن ثوابت معينة، وبين عناد إسرائيلي يتشبث بالإصرار على ما يقترب من المستحيل، فقط لكي يتواصل توجيه اللوم الدولي للجانب الفلسطيني. بيتر مانسفيلد (1928 - 96)، كان أحد أولئك القلائل المنصفين في انتقادهم افتقاد عنصر المرونة، أحياناً، عند النظر إلى موقف المفاوض الفلسطيني، مع التنبه لمدى صلف الجانب الإسرائيلي وغطرسة كل قيادات أحزاب تل أبيب عموماً. الواقع أنني أول مرة سمعت فيها تلك المقولة ذاتها كانت من بيتر مانسفيلد نفسه، أثناء حديث معه بمكاتب جريدة «الشرق الأوسط»، عندما كان أحد كُتابها المرموقين.
بيد أن موقف بيتر مانسفيلد ذاك لم يكُ غريباً على الإطلاق، ذلك أن الرجل انطلق دائماً من موقف المقتنع بعدالة القضايا العربية إزاء كل ما تعلق بتشابك علاقات عدد من دول العالم العربي مع إرث المحتل البريطاني، وهو لم يتردد في التعبير عن هذا الاقتناع فور حدوث أزمة السويس، ثم وقوع العدوان الثلاثي (بريطانيا، فرنسا، إسرائيل) على مصر عام 1956، إذ سارع إلى الاستقالة من عمله في وزارة الخارجية البريطانية احتجاجاً على سياسات حكومة أنتوني إيدن. مذ ذلك الموقف الشجاع، ظل بيتر مانسفيلد يواصل الدفاع عن عدالة المواقف العربية، من خلال ما كتب من مقالات في صحف بريطانية عدة، وما وضع من مؤلفات، مثل «العرب»، «تاريخ الشرق الأوسط»، «مصر ناصر»، «البريطانيون في مصر»... وغيرها، وقد أسهم ذلك الجهد الثري إلى حد كبير في توسيع فهم الجمهور البريطاني لأوضاع العالم العربي.
أبعد من آفاق الفضاء الصحافي خصوصاً، والثقافي عموماً، انطلق بيتر مانسفيلد مع غير صديق له، لعل أبرزهم كان مايكل آدامز، فوضعوا بعد حرب يونيو (حزيران) 1967 مباشرة، أسس إطلاق «كابو»، أي «مجلس التفاهم العربي - البريطاني»، كمؤسسة غير نفعية، بقصد تعزيز علاقات البريطانيين بالعرب كمواطنين، بعيداً عن متطلبات، أو مراسيم الجوانب الرسمية. أدى ذلك المجلس، ولا يزال يؤدي، دوراً يستحق أن يوصف بالتميز على صعيد تعميق الفهم المتبادل بين الثقافات العربية البريطانية، وبلا اشتراطات مسبقة. أول تعارف بين بيتر مانسفيلد وبيني جرى ربيع عام 1983 تحت سقف مجلة «التضامن»، عندما أسسها في لندن الكاتب الصحافي الكبير فؤاد مطر، الذي حرص على تخصيص صفحات من المجلة لأقلام كتّاب وكاتبات غير عرب، فكان بيتر مانسفيلد أحدهم، وهيلينا كوبان، وغيرهما.
الأربعاء الماضي، مرت الذكرى السادسة بعد العشرين لرحيل بيتر مانسفيلد عن ثمانية وستين عاماً (9-3-1969) بعد صراع مرير مع ذلك الخبيث لم يمهله طويلاً. أحاديث عدة مع بيتر سوف تبقى تحتل مكانتها في ذاكرتي، فقد كان، بكل صدق، بئراً من صفاء العواطف الجياشة تجاه العالم العربي، بشراً وحضارة وتاريخاً. كذلك، سوف يبقى خيال ابتسامته الودودة يرتسم أمامي حين أستحضر إجابته الخجولة عن تساؤل لي؛ هل أنصف العرب أصدقاءهم الذين ساندوهم قدر ما يستحقون؟ كان يرفق تلك الابتسامة بالقول يمكنهم أن يفعلوا أكثر. الحق أن بيتر مانسفيلد لم يكن يشكو أبداً، ولا شكت أيضاً الممثلة القديرة فانيسا ريدغريف، حين التقيتها في صالون فندق «قصر ليبيا» ببنغازي عام 1971، لإجراء حديث صحافي معها، كان كل ما قالت تعبيراً عن الضيق إزاء تجاهلها بضعة أيام: لماذا يدعوننا إذا كانوا مشغولين جداً وليس لديهم وقت للقائنا؟ نعم، بإمكان كل العواصم، وكذلك المؤسسات العربية غير الرسمية، أن تفعل دائماً أكثر، وأفضل، كي تقول لأصدقاء العرب حيثما هم وهن: شكراً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب



GMT 00:55 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أثر الدين والسياسة على الحروب

GMT 00:52 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

ماذا عن «اليوم التالي»؟

GMT 02:53 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ما حققته احتجاجات الجامعات الأمريكية

GMT 02:52 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

عودة الاحتلال الكامل

GMT 02:50 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

رفح آخر أوراق «حماس»

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020

GMT 08:07 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

مصر تسجل 40 وفاة و641 إصابة جديدة بكورونا

GMT 17:37 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

افتتاح مشروعا ضخمًا "للأسماك" في مدينة بورسعيد

GMT 15:08 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

مصطفى فتحي يشارك في تدريبات سموحة استعدادا لبيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon