توقيت القاهرة المحلي 18:57:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب «جيدة» رهن الطلب

  مصر اليوم -

حرب «جيدة» رهن الطلب

بقلم - بكر عويضة

 

رغم أهوال الدمار التي شهدتها، وملايين البشر الذين قضوا على مختلف جبهاتها، خصوصاً المدنيين منهم ومنهن، جرى إعطاء الحرب العالمية الثانية وصف «The Good War». كيف ذلك، وأنّى لحرب ضروس، أتت على كل أخضر ويابس، أن توصف بالجيدة؟ حسناً، الذي أدخل هذا التوصيف إلى أذهان عموم الناس، وربما كُتب التاريخ، هو لويس ستادز تيركل، الكاتب الأميركي، والمؤرخ الراوي، شفهياً، بعض أهم أحداث كوكب الأرض. إنما يمكن الافتراض أن تيركل اقتبس الوصف من كواليس أطراف عايشت تلك الحرب، ولعلها كانت بين الأوساط الفاعلة في مجرياتها. نعم، بالتأكيد، ليس غريباً أن تعطي أوساط المنتصرين، الحرب، وصف «الجيدة»، فكل الذي كان يعنيهم من أمر الحرب، هو أنها آتت أُكُلَها تحت كل سماء حجبت صفاء زُرقتها بظلام سواد دخانها.

من منطلق ما سبق، يجوز القول إن هكذا تصرف ليس بحكر على معسكر الحلفاء المنتصر في الحرب على دول المحور. كلا، لو كُتب النصر للطرف الآخر، لفعل الشيء ذاته. تُرى، في سياق ذلك التوصيف، ألا يمكن القول إن حرب إسرائيل ضد «حماس»، التي اندلع أوارها بهجوم الحركة يوم السابع من الشهر الماضي، على مستعمرات إسرائيلية توصف بأنها «غلاف غزة»، ينطبق عليها وصف «حرب جيدة» لطرفيها المتناحرين؟ بلى، الأرجح أنها كذلك. فهي جيدة لمن هو في وضع بنيامين نتنياهو سياسياً. فالزعيم الليكودي، العائد قبل أسابيع من الحرب إلى الحكم بعد انتخابات نادى برنامجه خلال حملتها باقتلاع «حماس» من جذورها، وكذلك غيرها من الفصائل، خصوصاً «الجهاد الإسلامي»، وجد نفسه يخوض مواجهة مع معظم فئات المجتمع الإسرائيلي العلمانية، التي اتحدت في معركة ضده لإجهاض محاولته الانقلاب على القضاء، تحديداً المحكمة العليا، بعد إدانته بقضايا رشوة وفساد.

ثم، من الواضح، أنها «حرب جيدة»، كذلك، لقيادات «حماس»، وبدرجة أقل قيادات حركة «الجهاد الإسلامي»، تحديداً السادة أعضاء القيادة المقيمين خارج قطاع غزة من كلتا الحركتين. ثمة توضيح ضروري هنا. الفرق ليس في درجة التمسك بالمنهاج العقائدي. كلا، إنما هو في الممارسة. أياً كان الموقف من منهج الحركتين، المنطق يفرض تقدير موقف القيادي الموجود على أرض المعركة، رغم الاختلاف معه، فهو يخوض معاناتها، إلى جانب بسطاء الناس الذين هم وهن وقود نارها، وهو معرض لأن يُقتل معهم أي لحظة، حتى لو ادعت إسرائيل أنهم يختبئون بينهم، ويجعلون منهم «دروعاً بشرية»، كما يزعم الناطقون باسم جيش الحرب الإسرائيلي. أما الممارسون القيادة، وفق حسابات التحالف السياسية، من عواصم في مأمن تام من كل جحيم الحرب، فهي، تكراراً، «جيدة جداً» لهم من منطلق خدمتها لكل ما في أجندات تحالفاتهم، الآنية، وأيضاً المستقبلية.

غداً، الموافق الثاني من الشهر الحالي، يمر قرن وستة أعوام على صدور «إعلان» آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا يومذاك، الذي صار يُعرف باسم «وعد بلفور». يومها، ورد في ذلك «الإعلان» التعهد بتسهيل إقامة «وطن قومي لليهود» في فلسطين، لكنه ربط تحقيق ذلك بشرط عدم المس بحقوق كل الطوائف. إخلال حكومة بلفور ذاته، وكل حكومات بريطانيا التي توالت بعدها، بذلك الشرط تحديداً، كان إيذاناً ببدء سلسلة مآسٍ لم تزل مستمرة حتى يومنا هذا، ولا تبدو لها نهاية في الأفق. تلك المآسي كانت، ولم تزل، نتيجة كل حرب انفجرت بشكل مفاجئ، كما بدا للبسطاء، لأنها كانت رهن طلب المحتاجين إلى «حرب جيدة»، تحقق الأغراض المتوخاة منها، حتى لو احترقت الأرض فوق وتحت بؤساء البشر في كل مناطقها المستعرة بلهيب جمرها. طوبى لكل المكتوين بجحيم الحروب، أياً كان العرق والجنس والدين، فما من حرب جيدة لهم ولهن على الإطلاق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب «جيدة» رهن الطلب حرب «جيدة» رهن الطلب



GMT 02:53 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ما حققته احتجاجات الجامعات الأمريكية

GMT 02:52 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

عودة الاحتلال الكامل

GMT 02:50 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

رفح آخر أوراق «حماس»

GMT 02:47 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

... عن «الاستعمار» بوصفه «خطيئة أصليّة»

GMT 02:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

الهدنة الحائرة

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:19 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

عادل إمام يعود إلى السينما
  مصر اليوم - عادل إمام يعود إلى السينما

GMT 00:46 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات طبيعية للشعر بمفعول الكيراتين

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

الإفتاء المصرية تؤكد أن إنفاق المرأة فضل منها

GMT 14:21 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فلنتعلم من الطبيعة

GMT 22:24 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

تقارير تكشف حسم ريال مدريد صفقة ديفيد ألابا مجانًا

GMT 05:05 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بدء طرح كراسات شروط الإسكان الاجتماعي في مصر الأحد

GMT 18:08 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

رسميًا واتفورد يقيل فلوريس سانشيز من تدريب الفريق

GMT 15:07 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

أحدث موديلات فساتين السهرة للمحجبات في 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon